فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن هذا هو الحجة الثالثة، واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولاً، ثم بالهداية ثانياً، عادة مطردة في القرآن، فحكى تعالى عن الخليل عليه السلام أنه ذكر ذلك فقال :﴿الذى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [ الشعراء : ٧٨ ] وعن موسى عليه السلام أنه ذكر ذلك فقال :﴿ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴾ [ طه : ٥٠ ] وأمر محمداً ﷺ فقال :﴿سَبِّحِ اسم رَبّكَ الاعلى الذى خَلَقَ فسوى والذى قَدَّرَ فهدى﴾ [ الأعلى : ١ ٣ ] وهو في الحقيقة دليل شريف، لأن الإنسان له جسد وله روح، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق، والاستدلال بأحوال الروح هو الهداية فههنا أيضاً لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى، وهو قوله :﴿أمَّنْ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [ النمل : ٦٤ ] أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية.
واعلم أن المقصود من خلق الجسد حصول الهداية للروح، كما قال تعالى :﴿والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والافئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [ النحل : ٧٨ ] وهذا كالتصريح بأنه تعالى إنما خلق الجسد، وإنما أعطى الحواس لتكون آلة في اكتساب المعارف والعلوم، وأيضاً فالأحوال الجسدية خسيسة يرجع حاصلها إلى الالتذاذ بذوق شيء من الطعوم أو لمس شيء من الكيفيات الملموسة، أما الأحوال الروحانية والمعارف الإلهية، فإنها كمالات باقية أبد الآباد مصونة عن الكون والفساد، فعلمنا أن الخلق تبع للهداية، والمقصود الأشرف الأعلى- حصول الهداية.