وَقَالَ حَكِيمٌ إِفْرِنْجِيٌّ : كَانَ مُحَمَّدٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي حَالَةِ وَلَهٍ وَتَأَثُّرٍ وَتَأْثِيرٍ، فَيَجْذِبُ بِهِ
إِلَى الْإِيمَانِ أَضْعَافَ مَنْ جَذَبَتْهُمْ آيَاتُ مُوسَى وَعِيسَى (عَلَيْهِمُ السَّلَامُ).
وَمَنْ فَقَدَ الْبَصِيرَةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالْقَلْبِيَّةَ فِيمَا يَرَاهُ بِبَصَرِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَ وُجُودِ النَّظَرِ الْحِسِّيِّ بِالْعَيْنَيْنِ، وَعَدَمِ النَّظَرِ الْمَعْنَوِيِّ بِالْعَقْلِ، فَهُوَ مَحْرُومٌ مِنْ هِدَايَةِ الْبَصَرِ، وَهِي الْبَصِيرَةُ الَّتِي يَمْتَازُ بِهَا الْإِنْسَانُ عَنْ بَصَرِ الْحَيَوَانِ، فَكَأَنَّهُ أَعْمَى الْعَيْنَيْنِ (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ) أَيْ أَنَّكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هِدَايَةِ الْعُمْيِ بِدَلَائِلِ الْبَصَرِ الْحِسِّيَّةِ، فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هِدَايَتِهِمْ بِدَلَائِلِهِ الْعَقْلِيَّةِ، وَلَوْ كَانُوا فَاقِدِينَ لِنِعْمَةِ الْبَصِيرَةِ الَّتِي تُدْرِكُهَا، وَقَدْ أَسْنَدَ فِعْلَ الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْجَمِيعِ لِكَثْرَةِ تَفَاوُتِ الْمُسْتَمِعِينَ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِيهِ، وَأَسْنَدَ فِعْلَ النَّظَرِ إِلَى الْمُفْرَدِ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ أَفْرَدَ السَّمْعَ وَجَمَعَ الْأَبْصَارَ فِي بِضْعِ آيَاتٍ مِنْهَا (٣١) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِهَا.


الصفحة التالية
Icon