وَقَدْ وَضَعَ الِاسْمَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ إِذْ قَالَ :(وَلَكِنَّ النَّاسَ وَلَمْ يَقُلْ :(وَلَكِنَّهُمْ) لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا الظُّلْمَ خَاصٌّ بِهِمْ دُونَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ ; فَإِنَّهَا لَا تَعْدُو فِي اسْتِعْمَالِ مَشَاعِرِهَا وَقُوَاهَا مَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ مِنْ حِفْظِ حَيَاتِهَا الشَّخْصِيَّةِ، وَالنَّوْعِيَّةِ، وَأَمَّا النَّاسُ فَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيمَا يَضُرُّهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الْحَيَوَانِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَفِي حَيَاتِهِمُ الرُّوحِيَّةِ الْأُخْرَوِيَّةِ، كَمَا قَالَ :(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (٢٥ : ٤٤) وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى عَامِلِهِ لِإِفَادَةِ قَصْرِ هَذَا الظُّلْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَوْ دُونَ رَبِّهِمُ الَّذِي كَفَرُوا بِنِعَمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (٢ : ٥٤) وَسُورَةِ الْأَعْرَافِ :(وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٧ : ١٦٠).
هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ نَفْيِ ظُلْمِ النَّاسِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَقَصْرِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَظْلِمُهُمْ بِعِقَابِهِ لَهُمْ شَيْئًا بِأَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ أَوْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الذَّنْبِ وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، عَلَى قَاعِدَةِ :(وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) (٦ : ١٦٤) الْآيَةَ. فَرَاجِعْ


الصفحة التالية
Icon