(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ) أَيْ خَسِرُوا السَّعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ ; إِذْ لَمْ يَسْتَعِدُّوا لَهُ بِالْإِيمَانِ وَعَمِلِ الصَّالِحَاتِ الْمُزَكِّيَةِ لِلنَّفْسِ، الْمُرَقِّيَّةِ لِلرُّوحِ، بِمَا تَكُونُ أَهْلًا لِكَرَامَتِهِ وَمَثُوبَتِهِ، وَرِضْوَانِهِ الْأَكْبَرِ فِي جَنَّاتِهِ، فَآثَرُوا عَلَيْهَا حَيَاةَ الدُّنْيَا الْقَصِيرَةَ الْحَقِيرَةِ الْمُنَغَّصَةَ بِالْأَكْدَارِ، السَّرِيعَةَ الزَّوَالِ الَّتِي يُقَدِّرُونَهَا يَوْمَ الْحَشْرِ بِسَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ، وَالْجُمْلَةُ بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنْهُ تَعَالَى لِخُسْرَانِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ ; وَبِذَلِكَ ذَكَرَهُمْ بِصِفَتِهِمُ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ وَهِي التَّكْذِيبُ، وَعَطَفَ عَلَيْهِ (وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) فِيمَا اخْتَارُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الْخَسِيسِ الْفَانِي، عَلَى النَّفِيسِ الْخَالِدِ الْبَاقِي، أَوْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ (قَدْ خَسِرَ) أَيْ خَسِرُوا تِجَارَتَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ، وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ إِلَى أَسْبَابِ النَّجَاةِ وَالرِّبْحِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَاتُ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ :(فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) (٢ : ١٦) وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَ اللهِ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ ٧، ١١، ١٥ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ خُسْرَانِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ (٦ : ٣١).
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعَدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ).


الصفحة التالية
Icon