وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾
كانَ ذكر تكذيبهم الذي جاء في صدر السورة بقوله :﴿ قال الكافرون إنّ هذا لسحر مبين ﴾ [ يونس : ٢ ]، ثم الوعيد عليه بعذاب يحل بهم، والإشارةُ إلى أنهم كذبوا بالوعيد في قوله :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر إلى قوله :{ لننظر كيف تعملون ﴾ [ يونس : ١١ ١٤ ] منذراً بترقب عذاب يحل بهم في الدنيا كما حل بالقرون الذين من قبلهم، وكان معلوماً من خلق النبي ﷺ رأفتُه بالناس ورغبتُه أن يتم هذا الدين وأن يهتدي جميع المدعوين إليه، فربما كان النبي يحذر أن ينزل بهم عذاب الاستئصال فيفوت اهتداؤهم.
وكان قوله :﴿ ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ﴾ [ يونس : ١١ ] تصريحاً بإمكان استبقائهم وإيماءً إلى إمهالهم.
جاء هذا الكلام بياناً لذلك وإنذاراً بأنهم إن أمهلوا فأبقي عليهم في الدنيا فإنهم غير مفلتين من المصير إلى عقاب الآخرة حين يرجعون إلى تصرف الله دون حائل.
وجاء الكلام على طريقة إبْهام الحاصل من الحالين لإيقاع الناس بين الخوف والرجاء وإن كان المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم
والمرادُ بـ ﴿ بعض الذي نعدهم ﴾ هو عذاب الدنيا فإنهم أوعدوا بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قال تعالى :﴿ وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ﴾.
فالمعنى إن وقع عذاب الدنيا بهم فرأيتَه أنت أو لم يقع فتوفاك الله فمصيرهم إلينا على كل حال.
فمضمون ﴿ أو نتوفينك ﴾ قسيم لمضمون ﴿ نرينك بعضَ الذي نعدهم ﴾.
والجملتان معاً جملتا شرط، وجواب الشرط قوله :﴿ فإلينا مرجعهم ﴾.