الحجة السادسة : قال ابن الأنباري : كيف يكون السمع أفضل من البصر وبالبصر يحصل جمال الوجه، وبذهابه عيبه، وذهاب السمع لا يورث الإنسان عيباً، العرب تسمي العينين الكريمتين ولا تصف السمع بمثل هذا ؟ ومنه الحديث يقول الله تعالى :" من أذهبت كريمته فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة " المسألة الثالثة :
احتج أصحابنا بهذه الآية، على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، قالوا : الآية دالة على أن قلوب أولئك الكفار بالنسبة إلى الإيمان كالأصم بالنسبة إلى استماع الكلام، وكالأعمى بالنسبة إلى إبصار الأشياء، وكما أن هذا ممتنع فكذلك ما نحن فيه.
قالوا : والذي يقوي ذلك أن حصول العداوة القوية الشديدة، وكذلك حصول المحبة الشديدة في القلب ليس باختيار الإنسان، لأن عند حصول هذه العداوة الشديدة يجد وجداناً ضرورياً أن القلب يصير كالأصم والأعمى في استماع كلام العدو وفي مطالعة أفعاله الحسنة، وإذا كان الأمر كذلك فقد حصل المطلوب، وأيضاً لما حكم الله تعالى عليها حكماً جازماً بعدم الإيمان، فحينئذ يلزم من حصول الإيمان انقلاب علمه جهلاً وخبره الصدق كذباً وذلك محال.
وأما المعتزلة : فقد احتجوا على صحة قولهم بقوله تعالى :﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ وجه الاستدلال به، أنه يدل على أنه تعالى ما ألجأ أحداً إلى هذه القبائح والمنكرات، ولكنهم باختيار أنفسهم يقدمون عليها ويباشرونها.
أجاب الواحدي عنه فقال : إنه تعالى إنما نفى الظلم عن نفسه، لأنه يتصرف في ملك نفسه، ومن كان كذلك لم يكن ظالماً، وإنما قال :﴿ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ لأن الفعل منسوب إليهم بسبب الكسب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٨١ ـ ٨٣﴾


الصفحة التالية
Icon