المراد من الآية أحد أمرين : إما بيان أن الرسول إذا بعث إلى كل أمة فإنه بالتبليغ وإقامة الحجة يزيح كل علة فلا يبقى لهم عذر في مخالفته أو تكذيبه، فيدل ذلك على أن ما يجري عليهم من العذاب في الآخرة يكون عدلاً ولا يكون ظلماً، لأنهم من قبل أنفسهم وقعوا في ذلك العقاب، أو يكون المراد أن القوم إذا اجتمعوا في الآخرة جمع الله بينهم وبين رسولهم في وقت المحاسبة، وبأن الفصل بين المطيع والعاصي ليشهد عليهم بما شاهد منهم، وليقع منهم الاعتراف بأنه بلغ رسالات ربه فيكون ذلك من جملة ما يؤكد الله به الزجر في الدنيا كالمساءلة، وإنطاق الجوارح، والشهادة عليهم بأعمالهم والموازين وغيرها، وتمام التقرير على هذا الوجه الثاني أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن الله شهيد عليهم، فكأنه تعالى يقول : أنا شهيد عليهم وعلى أعمالهم يوم القيامة، ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة مع كل قوم رسولهم، حتى يشهد عليهم بتلك الأعمال.
والمراد منه المبالغة في إظهار العدل.
واعلم أن دليل القول الأول هو قوله تعالى :﴿وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [ الإسراء : ١٥ ] وقوله :﴿رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل﴾ [ النساء : ١٦٥ ] وقوله :﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ [ طه : ١٣٤ ] ودليل القول الثاني قوله تعالى :﴿وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا﴾ إلى قوله :﴿وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] وقوله :﴿وَقَالَ الرسول يارب إِنَّ قَوْمِى اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً﴾ [ الفرقان : ٣٠ ] وقوله تعالى :﴿قُضِىَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ فالتكرير لأجل التأكيد والمبالغة في نفي الظلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٨٥ ـ ٨٦﴾