قال القاضي أبو محمد : هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا " كيف " في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك : كيف زيد ول " كيف " تصرفات غير هذا، وتحل محل المصدر الذي هو كيفية وتخلع معنى الاستفهام، ويحتمل هذا أن يكون منها ومن تصرفاتها قولهم : كن كيف شئت، وانظر قول البخاري : كيف كان بدء الوحي فإنه لم يستفهم وذكر الفعل المسند إلى " العاقبة " لما كانت بمعنى المآل ونحوه وليس تأنيثها بحقيقي، وقوله تعالى :﴿ ومنهم من يؤمن به ﴾ الآية، الضمير في ﴿ منهم ﴾ عائد على قريش، ولهذا الكلام معنيان قالت فرقة : معناه من هؤلاء القوم من سيؤمن في المستقبل ومنهم من حتم الله أنه لا يؤمن به أبداً، وقالت فرقة : معناه من هؤلاء القوم من هو مؤمن بهذا الرسول إلا أنه يكتم إيمانه وعلمه بأن نبوة محمد ﷺ وإعجاز القرآن حق، حفظاً لرياسته أو خوفاً من قومه، كالفتية الذين خرجوا إلى بدر مع الكفار فقتلوا فنزل فيهم ﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ [ النساء : ٩٧ ] وكالعباس ونحو هذا، ومنهم من ليس بمؤمن.
قال القاضي أبو محمد : وفائدة الآية على هذا التأويل التفرق لكلمة الكفار، وإضعاف نفوسهم، وأن يكون بعضهم على وجل من بعض، وفي قوله ﴿ وربك أعلم بالمفسدين ﴾، تهديد ووعيد، وقوله ﴿ وإن كذبوك ﴾، آية مناجزة لهم ومتاركة وفي ضمنها وعيد وتهديد، وهذه الآية نحو قوله ﴿ قل يا آيها الكافرون ﴾ [ الكافرون : ١ ] إلى آخر السورة، وقال كثير من المفسرين منهم ابن زيد : هذه الآية منسوخة بالقتال لأن هذه مكية، وهذا صحيح، وقوله تعالى ﴿ ومنهم من يستمعون إليك ﴾، جمع ﴿ يستمعون ﴾ على معنى ﴿ من ﴾ لا على لفظها، ومعنى الآية : ومن هؤلاء الكفار من يستمع إلى ما يأتي به من القرآن بإذنه ولكنه حين لا يؤمن ولا يحصل فكأنه لا يسمع، ثم قال على وجه التسلية للنبي ﷺ : أفأنت يا محمد تريد أن تسمع الصم.