وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا ﴾
بمعنى كأنهم فخففّت، أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم.
﴿ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار ﴾ أي قدر ساعة ؛ يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث ؛ دليله قولهم :﴿ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [ الكهف : ١٩ ].
وقيل : إنما قَصُرت مدّة لَبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا لا مدة كونهم في القبر.
ابن عباس : رأُوا أن طول أعمارهم في مقابلة الخلود كساعة.
﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ في موضع نصب على الحال من الهاء والميم في "يحشرهم".
ويجوز أن يكون منقطعاً، فكأنه قال فهم يتعارفون.
قال الكَلْبِيّ : يعرف بعضهم بعضاً كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم ؛ وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح ؛ يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني وحملتني على الكفر ؛ وليس تعارف شفقة ورأفة وعطف.
ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال يوم القيامة كما قال :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ [ المعارج : ١٠ ].
وقيل : يبقى تعارف التوبيخ ؛ وهو الصحيح لقوله تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ ﴾ إلى قوله ﴿ وَجَعَلْنَا الأغلال في أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ سبأ : ٣٣ ] وقوله :﴿ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] الآية، وقوله :﴿ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧ ] الآية.
فأما قوله :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ وقوله :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ ﴾ [ المؤمنون : ١٠١ ] فمعناه لا يسأله سؤال رحمة وشفقة، والله أعلم.
وقيل : القيامة مواطن.
وقيل : معنى "يَتَعَارَفُونَ" يتساءلون، أي يتساءلون كم لبثتم ؛ كما قال :﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٧ ] وهذا حسن.


الصفحة التالية
Icon