وأيضاً فكأن لم يلبثوا إلا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأنّ ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم.
وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف بربط فقدره : كأن لم يلبثوا قبله، فحذف قبله أي قبل اليوم، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز.
فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخراً، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري :( فإن قلت ) : كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ ( قلت ) : أما الأولى فحال منهم أي : نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة.
وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف يعني : فتكون حالاً، وإما أن تكون مبينة لقوله : كأن لم يلبثوا إلا ساعة، لأنّ التعارف يبقى مع طول العهد وينقلب تناكراً انتهى.
وقال الحوفي : يتعارفون فعل مستقبل في موضع الحال من الضمير في يلبثوا وهو العامل، كأنه قال : متعارفين، المعنى : اجتمعوا متعارفين.
ويجوز أن يكون حالاً من الهاء والميم في نحشرهم وهو العامل انتهى.
وأما قول ابن عطية : ويصح أن يكون في موضع نصب للمصدر، كأنه قال : ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا، فقد حكاه أبو البقاء فقال : وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي حشراً كأن لم يلبثوا قبله انتهى.
وقد ذكرنا أن حذف مثل هذا الرابط لا يجوز.
وجوزوا في يتعارفون أن يكون حالاً على ما تقدم ذكره من الخلاف في ذي الحال والعامل فيها، وأن يكون جملة مستأنفة، أخبر تعالى أنه يقع التعارف بينهم.
وقال الكلبي : يعرف بعضهم بعضاً كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم، وهو تعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض : أنت أضللتني وأغويتني، وليس تعارف شفقة وعطف، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة، كما قال تعالى :﴿ ولا يسأل حميم حميماً يبصرونهم ﴾ وقيل : يعرف بعضهم بعضاً ما كانوا عليه من الخطأ والكفر.
وقال الضحاك : تعارف تعاطف المؤمنين، والكافرون لا أنساب بينهم.


الصفحة التالية
Icon