والتجارة تعتمد على أنك لا تُقبل على عقد صفقة إلا إذا غلب على ظنك أن هذه الصفقة سوف تأتي لك بأكثر مما دفعت فيها.
ولذلك يقول الحق سبحانه عن الصفقات الخاسرة :
﴿ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ﴾ [ البقرة : ١٦ ].
ويقول أيضاً :
﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً ﴾ [ الجمعة : ١١ ].
وشاء الحق سبحانه أن يجعل معنى التجارة واضحاً ومعبِّراً عن كثير من المواقف ؛ لأن التجارة تمثِّل جماع كل حركة الحياة ؛ فهذا يتحرك في ميدان ؛ لينفع نفسه، وينفع غيره، وغيره يعمل في ميدان آخر ؛ فينفع نفسه، وينفع غيره.
وبهذا يتحقق نفع الإنسان من حركة نفسه وحركة غيره، وهو يستفيد من حركة غيره أكثر مما يستفيد من حركته هو، ومن مصلحة أي إنسان أن يحسِّن كل إنسان حركته ؛ فيرتاح هو ؛ لأن ما سوف يصل إليه من حركة الناس سيكون جيد الإتقان.
والتجارة تحمل أيضاً الوساطة بين المنتج والمستهلك.
ولذلك حين أراد الله سبحانه أن نستجيب لأذان الجمعة قال :
﴿ ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الجمعة : ٩ ].
ولم يقل الله سبحانه : اتركوا الزراعة أو اتركوا الصناعة، أو اتركوا التدريس، بل اختار من كل حركات الحياة حركة البيع ؛ لأن فيه تجارة، والتجارة هي الجامعة لكل حركات الحياة.
والتاجر وسيط بين منتج ومستهلك وتقتضي التجارة شراءً وبيعاً، والشراء يدفع فيه التاجر ثمناً، أما في البيع فهو يأخذ الثمن، والغاية من كل شيء أن يتموَّل الإنسان.