لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ حَالَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فِي اتِّهَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِافْتِرَاءِ الْقُرْآنِ، وَبِتَكْذِيبِهِمْ بِوَعِيدِهِ لَهُمْ، بَيَّنَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَقْسَامَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي تَكْذِيبِهِمْ وَمُسْتَقَبْلِ أَمْرِهِمْ أَوْ حَالِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ، وَفِي عَمَلِ الْمُكَذِّبِينَ بِمُقْتَضَى تَكْذِيبِهِمْ، وَعَمَلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُقْتَضَى رِسَالَتِهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ فِيهِمْ فَقَالَ :(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ) يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَإِنَّ قَوْمَكَ لَنْ يَكُونُوا كَأُولَئِكَ الظَّالِمِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ، بَلْ سَيَكُونُ قَوْمُكَ قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ سَيُؤْمِنُ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَقِسْمٌ لَا يُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) فِي الْأَرْضِ بِالشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْبَغْيِ لِفَسَادِ فِطْرَتِهِمْ وَفَقْدِهِمُ الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ يُعَذِّبُهُمْ فِي الدُّنْيَا فَيُخْزِيهِمْ وَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ، وَيَجْزِيهِمْ فِي الْآخِرَةِ بِفَسَادِهِمْ. وَقِيلَ : إِنَّ الْآيَةَ فِي بَيَانِ حَالِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُؤْمِنُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يُكَذِّبُهُ فِي الظَّاهِرِ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ جَهْلًا وَتَقْلِيدًا، وَمِنْ هَذَا الْفَرِيقِ مَنْ فَقَدَ الِاسْتِعْدَادَ


الصفحة التالية
Icon