لِذَاتِهِ لَا لِمَا يُرَادُ بِهِ، وَهِيَ بَلَاغَتُهُ فِي غَرَابَةِ نَظْمِهِ، وَجَرْسِ الصَّوْتِ بِتَرْتِيلِهِ، كَمَنْ يَسْتَمِعُ إِلَى طَائِرٍ يُغَرِّدُ عَلَى فَنَنِهِ ; لِيَسْتَمْتِعَ بِصَوْتِهِ لَا لِيفْهَمَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ :(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) (٢١ : ٢ و٣) أَوْ كَالْبَهَائِمِ يَصِيحُ بِهَا الرَّاعِي فَتَرْفَعُ رُءُوسَهَا لِاسْتِمَاعِ صَوْتِهِ الَّذِي رَاعَهَا فَصَرَفَهَا عَنْ رَعْيِهَا، كَمَا قَالَ :(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٢ : ١٧١) أَوْ كَمَا قَالَ :(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) (٦ : ٢٥) وَالْقَاعِدَةُ الطَّبِيعِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا. وَنَحْنُ نَرَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقْصِدُونَ قُرَّاءَ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَوْ فِي الْمَآتِمِ، لِيَسْتَمِعُوا إِلَى فُلَانٍ الْقَارِئِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ لِغَرَضِ التَّلَذُّذِ بِتَرْتِيلِهِ وَتَوْقِيعِ صَوْتِهِ أَوْ بَلَاغَتِهِ، وَلَا أَحَدَ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَوَاعِظِ الْقُرْآنِ وَنُذُرِهِ، وَحِكَمِهِ وَعِبَرِهِ، وَلَا عَقَائِدِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ سَمِعْتُ بِأُذُنِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ وَيَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ تَأْثِيرِهِ وَتَغَلْغُلِهِ فِي أَعْمَاقِ الْقَلْبِ وَهُوَ لَا يُؤْمِنُ بِهِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا