والوصف الرابع وهو الرحمة، خاص بمن عمل بمقتضى الأوصاف الثلاثة الأُول، فانتفع بها فكان القرآن رحمة له في الدنيا والآخرة.
وهو ينظر إلى قوله تعالى :﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ].
فقَيْد ﴿ للمؤمنين ﴾ متعلق بـ ﴿ رحمة ﴾ بلا شبهة وقد خصه به جمهور المفسرين.
ومن المحققين من جعله قيداً ل ﴿ هدى ورحمة ﴾ ناظراً إلى قوله تعالى :﴿ هدى للمتقين ﴾ [ البقرة : ٢ ] فإنه لم يجعله هدى لغير المتقين وهم المؤمنون.
والوجه أن كونه موعظة وصف ذاتي له، لأن الموعظة هي الكلام المحذّر من الضر ولهذا عقبت بقوله :﴿ من ربكم ﴾ فكانت عامة لمن خوطب بـ ﴿ يأيُّها الناس ﴾.
وأما كونه شفاء فهو في ذاته صالح للشفاء لكن الشفاء بالدواء لا يحصل إلا لمن استعمله.
وأما كونه هدى ورحمة فإن تمام وصف القرآن بهما يكون بالنسبة لمن حَصَلت له حقيقتُهما، وأما لمن لم تحصل له آثارهما، فوصف القرآن بهما بمعنى صلاحيته لذلك، وهو الوصف بالقوة في اصطلاح أهل المنطق.
وقد وقع التصريح في الآية الأخرى بأنه ﴿ شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ [ الإسراء : ٨٢ ]، وصرح في آية [ البقرة : ٢ ] بأنه ﴿ هدى للمتقين، ﴾ فالأظهر أن قيد للمؤمنين راجع إلى ﴿ هدى ورحمة ﴾ معاً إلى قاعدة القيد الوارد بعد مفردات، وأما رجوعه إلى ﴿ شفاء ﴾ فمحتمل، لأن وصف ﴿ شفاء ﴾ قد عُقب بقيد ﴿ لما في الصدور ﴾ فانقطع عن الوصفين اللذين بعده، ولأن تعريف ﴿ الصدور ﴾ باللام يقتضي العموم، فليحمل الشفاء على معنى الدواء الذي هو صالح للشفاء للذي يتناوله.
وهو إطلاق كثير.
وصَدَّر به في "اللسان" و"القاموس"، وجعلوا منه قوله تعالى في شأن العسل ﴿ فيه شفاء للناس ﴾ [ النحل : ٦٩ ].
وأما تعليق فعل المجيء بضمير الناس في قوله :﴿ قد جاءتكم ﴾ فباعتبار كونهم المقصود بإنزال القرآن في الجملة.


الصفحة التالية
Icon