وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً ﴾.
فيه مسألتان :
الأولى قوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يخاطب كفار مكة.
﴿ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ ﴾ "ما" في موضع نصب "بأرأيتم".
وقال الزجاج : في موضع نصب ب "أنزل".
"وَأَنْزَلَ" بمعنى خلق ؛ كما قال :﴿ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ [ الزمر : ٦ ].
﴿ وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ﴾.
فيجوز أن يعبر عن الخلق بالإنزال ؛ لأن الذي في الأرض من الرزق إنما هو بما ينزل من السماء من المطر.
﴿ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً ﴾ قال مجاهد : هو ما حكموا به من تحريم البَحِيرة والسائبة والوِصيلة والحام.
وقال الضحاك : هو قول الله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً ﴾ [ الأنعام : ١٣٦ ].
﴿ قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ﴾ أي في التحليل والتحريم.
﴿ أَمْ عَلَى الله ﴾ "أم" بمعنى بل.
﴿ تَفْتَرُونَ ﴾ هو قولهم إن الله أمرنا بها.
الثانية استدلّ بهذه الآية من نفى القياس، وهذا بعيد ؛ فإن القياس دليل الله تعالى، فيكون التحليل والتحريم من الله تعالى عند وجود دِلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلاً لله تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon