وتناسب أحكامه كونها شفاء وهدى ورحمة، وما كان كذلك فهو من عندي قطعاً وبإذني جزماً لأني عالم بالإفاضة فيه والانفصال عنه وجميع الأمور الواقعة منك ومنهم ومن غيرهم.
ولما كان ربما ظن ظان من إفهام ﴿كنا﴾ و ﴿شهوداً﴾ للجنود أنه سبحانه محتاج إليهم، نفى ذلك بقوله :﴿وما﴾ أي والحال أنه ما ﴿يعزب﴾ أي يغيب ويخفى ﴿عن ربك﴾ أي المربي لكل مخلوق بعام أفضاله ولك بخاص نعمه وأشرف نواله، وأغرق في النفي فقال :﴿من مثقال ذرة﴾ أي وزن نملة صغيرة جداً وموضع وزنها وزمانه ؛ ولما كان " في " بمزون أهل الأرض كان تقديمها أولى فقال :﴿في الأرض﴾ ولما لم يدع السياق إلى الجمع - كما سيأتي في سبأ - قال اكتفاء بالمفرد الدال على الجنس :﴿ولا في السماء﴾ أي ما علا عن الأرض كائناً ما كان.
ولما كان ربما أدى الجمود بعض الأغبياء إلى أن يحمل المثقال على حقيقته ويجهل أن المراد به المبالغة، قال عاطفاً على الجملة من أولها وهو على الابتداء سواء رفعنا الراءين على قراءة حمزة ويعقوب أو نصبناهما عند الباقين :﴿ولا أصغر من ذلك﴾ أي من مثقال الذرة ﴿ولا أكبر﴾ ولما أتى بهذا الابتداء الشامل الحاصر، أخبر عنه بقوله :﴿إلا﴾ أي لا شيء من ذلك إلا موجود ﴿في كتاب﴾ أي جامع ﴿مبين﴾ أي ظاهر في نفسه مظهر لكل ما فيه، وسيأتي في سبأ ما يتم به هذا المكان، وفي ذلك تهديداً لهم وتثبيت له ـ ﷺ ـ، ولاح بهذا أن ما بعد ﴿إلا﴾ حال من الفاعل، أي ما يفعل شيئاً إلا وأنت بأعيننا فثبت أن القرآن بعلمه، فلو افتراه أحد عليه لأمكن منه ؛ والإفاضة : الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه وهو الانبساط في العمل أخذاً من فيض الإناء إذا انصب ما فيه من جوانبه، وأفضتم : تفرقتم كتفرق الماء الذي يتصبب من الإناء ؛ والعزوب : ذهاب المعنى عن العلم، وضده الحضور ؛ والذر : صغار النمل وهو خفيف الوزن جداً، ومثقاله : وزنه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٥٩ ـ ٤٦٠﴾