ثم قال تعالى :﴿إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾ وذلك لأن الله تعالى شاهد على كل شيء، وعالم بكل شيء، أما على أصول أهل السنة والجماعة، فالأمر فيه ظاهر، لأنه لا محدث ولا خالق ولا موجد إلا الله تعالى.
فكل ما يدخل في الوجود من أفعال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة، فكلها حصلت بإيجاد الله تعالى وإحداثه.
والموجد للشيء لا بد وأن يكون عالماً به، فوجب كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، وأما على أصول المعتزلة، فقد قالوا : إنه تعالى حي وكل من كان حياً، فإنه يصح أن يعلم كل واحد من المعلومات، والموجب لتلك العالمية، هو ذاته سبحانه.
فنسبة ذاته إلى اقتضاء حصول العالمية ببعض المعلومات كنسبة ذاته إلى اقتضاء حصول العالمية بسائر المعلومات، فلما اقتضت ذاته حصول العالمية ببعض المعلومات وجب أن تقتضي حصول العالمية بجميع المعلومات فثبت كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات.
أما قوله تعالى :﴿إِذْ تفيضون فِيهِ﴾ فاعلم أن الإفاضة ههنا الدخول في العمل على جهة الانصباب إليه وهو الانبساط في العمل، يقال أفاض القوم في الحديث إذا اندفعوا فيه، وقد أفاضوا من عرفة إذا دفعوا منه بكثرتهم، فتفرقوا.
فإن قيل :﴿إِذْ﴾ ههنا بمعنى حين، فيصير تقدير الكلام إلا كنا عليكم شهوداً حين تفيضون فيه، وشهادة الله تعالى عبارة عن علمه، فيلزم منه أن يقال إنه تعالى ما علم الأشياء إلا عند وجودها وذلك باطل.
قلنا : هذا السؤال بناء على أن شهادة الله تعالى عبارة عن علمه، وهذا ممنوع، فإن الشهادة لا تكون إلا عند وجود المشهود عليه، وأما العلم، فلا يمتنع تقدمه على الشيء، والدليل عليه أن الرسول عليه السلام، لو أخبرنا عن زيد أنه يأكل غداً كنا من قبل حصول تلك الحالة عالمين بها ولا نوصف بكوننا شاهدين لها.


الصفحة التالية
Icon