وفي "الصحاح" أسررت الشيء كتمته وأعلنته أيضاً وهو من الأضداد، والوجهان جميعاً يفسران في قوله تعالى :﴿ وَأَسَرُّواْ الندامة ﴾ وكذلك في قول امرىء القيس
: لو يسرون مقتلي...
انتهى وفي "القاموس" أيضاً أسره كتمه وأظهره ضد، وفيه اختلاف اللغويين فإن الأزهري منهم ادعى أن استعمال أسر بمعنى أظهر غلط وأن المستعمل بذلك المعنى هو أشر بالشين المعجمة لا غير.
ولعله قد غلط في الغليط، وعليه فالإظهار أيضاً باعتبار الآثار على ما لا يخفى.
وجوز بعضهم أن يكون المراد بالإسرار الإخفاء إلا أن المراد من ضمير الجمع الرؤساء أي أخفى رؤساؤهم الندامة من سفلتهم الذين أضلوهم حياء منهم وخوفاً من توبيخهم، وفيه أن ضمير ﴿ أَسَرُّواْ ﴾ عام لا قرينة على تخصيصه على أن هول الموقف أشد من أن يتفكر معه في أمثال ذلك، وجملة ﴿ أَسَرُّواْ ﴾ مستأنفة على الظاهر وقيل : حال بتقدير قد، و﴿ لَّمّاً ﴾ على سائر الأوجه بمعنى حين منصوب بأسروا، وجوز أن يكون للشرط والجواب محذوف على الصحيح لدلالة ما تقدم عليه أي لما رأوا العذاب أسروا الندامة ﴿ وَقُضِىَ ﴾ أي حكم وفصل ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ أي بين النفوس الظالمة ﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ أصلاً لأنه لا يفعل بهم إلا ما يقتضيه استعدادهم، وقيل : ضمير ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾ للظالمين السابقين في قوله سبحانه :﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ والمظلومين الذين ظلموهم وإن لم يجر لهم ذكر لكن الظلم يدل بمفهومه عليهم وتخصيص الظلم بالتعدي، والمعنى وقعت الحكومة بين الظالمين والمظلومين وعومل كل منهما بما يليق به.