فقال :" تلك عاجل بشرى المؤمن "
واعلم أن المباحث العقلية تقوي هذا المعنى، وذلك أن الكمال محبوب لذاته لا لغيره، وكل من اتصف بصفة من صفات الكمال، صار محبوباً لكل أحد، ولا كمال للعبد أعلى وأشرف من كونه مستغرق القلب بمعرفة الله، مستغرق اللسان بذكر الله، مستغرق الجوارح والأعضاء بعبودية الله، فإذا ظهر عليه أمر من هذا الباب، صارت الألسنة جارية بمدحه، والقلوب مجبولة على حبه، وكلما كانت هذه الصفات الشريفة أكثر، كانت هذه المحبة أقوى، وأيضاً فنور معرفة الله مخدوم بالذات، ففي أي قلب حضر صار ذلك الإنسان مخدوماً بالطبع ألا ترى أن البهائم والسباع قد تكون أقوى من الإنسان، ثم إنها إذا شاهدت الإنسان هابته وفرت منه وما ذاك إلا لمهابة النفس الناطقة.
والقول الثالث : في تفسير البشرى أنها عبارة عن حصول البشرى لهم عند الموت قال تعالى :﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة ألاتَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة﴾ [ فصلت : ٣٠ ] وأما البشرى في الآخرة فسلام الملائكة عليهم كما قال تعالى :﴿والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ﴾ [ الرعد : ٢٣-٢٤ ] وسلام الله عليهم كما قال :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾ [ يس : ٥٨ ] ويندرج في هذا الباب ما ذكره الله في هذا الكتاب الكريم من بياض وجوههم وإعطاء الصحائف بأيمانهم وما يلقون فيها من الأحوال السارة فكل ذلك من المبشرات.
والقول الرابع : إن ذلك عبارة عما بشر الله عباده المتقين في كتابه وعلى ألسنة أنبيائه من جنته وكريم ثوابه.
ودليله قوله :﴿يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مّنْهُ ورضوان﴾ [ التوبة : ٢١ ].


الصفحة التالية
Icon