وقال أبو السعود :
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾
وقيل : أولياءُ الله الذين يتولّونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة وجُعل تفسيراً لتولّيه تعالى إياهم ولا ريب في أن اعتبارَ القيد الأخيرِ في مفهوم الولايةِ عيرُ مناسبٍ لمقام ترغيبِ المؤمنين في تحصيلها والثباتِ عليها وبشارتِهم بآثارها ونتائجها مخِلٌّ بذلك إذ التحصيلُ إنما يتعلق بالمقدور والاستبشارُ لا يحصل إلا بما عُلم بوجود سببِه والقيدُ المذكور ليس بمقدور لهم حتى يحصّلوا الولاية بتحصيله ولا بمعلوم لهم عند حصولِه حتى يعرفوا حصولَ الولايةِ لهم ويستبشروا بمحاسنِ آثارِها بل التولي بالكرامة عينُ نتيجةِ الولاية فاعتبارُه في عنوان الموضوعِ ثم الإخبارُ بعدم الخوفِ والحزنِ مما لا يليق بشأن التنزيلِ الجليلِ، فالذي يقتضيه نظمُه الكريمُ أن الأولَ تفسيرٌ للأولياء حسبما شُرح والثاني بيانٌ لما أولاهم من خيرات الدارين بعد بيانِ إنجائِهم من شرورهما ومكارههما، والجملةُ مستأنفةٌ كما سبق كأنه قيل : هل لهم وراء ذلك من نعمة وكرامةٍ؟ فقيل لهم ما يسرّهم في الدارين، وتقديمُ الأول لما أن التخليةَ سابقةٌ على التحلية مع ما فيه من مراعاة حقِّ المقابلةِ بين حسن حالِ المؤمنين وسوء حالِ المفترين، وتعجيلُ إدخالِ المسرّةِ بتبشير الخلاصِ عن الأهوال وتوسيطُ البيانِ السابق بين بشارةِ الخلاص عن المحذور وبشارةِ الفوز بالمطلوب لإظهار كمالِ العناية بتفسير الأولياءِ مع الإيذان بأن انتفاءَ الخوف والحزنِ لاتقائهم عما يؤدّي إليهما من الأسباب، والبُشرى مصدرٌ أريد به المبشَّرُ به من الخيرات العاجلةِ كالنصر والفتحِ والغنيمة وغيرُ ذلك والآجلةِ الغنيةِ عن البيان، وإيثارُ الإبهام والإجمالِ للإيذان بكونه وراءَ البيان والتفصيلِ، والظرفان في موقع الحالِ منه والعاملُ ما في الخبر من معنى الاستقرارِ أي لهم البشرى حالَ كونها في الحياة الدنيا وحالَ كونِها في الآخرة أي عاجلةً وآجلةً، أو من الضمير المجرور أي حالَ كونِهم في الحياة