فقد جاء نهي الأنبياء عليهم السلام عن الخوف كنهيهم عن الحزن بل قد ثبت صريحاً نسبة ذلك إليهم وهو مما لا يخل بمرتبة النبوة إذ ليس كل خوف نقصاً لينزهوا عنه كيف كان.
﴿ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ﴾ كلام مستأنف سيق لتعليل النهي، وقيل : جواب سؤال مقدر كأنه قيل : لم لا يحزنه؟ فقيل : لأن الغلبة والقهر لله سبحانه لا يملك أحد شيئاً منها أصلاً لا هم ولا غيرهم فلا يقهر ولا يغلب أولياءه بل يقهرهم ويغلبهم ويعصمك منهم.
وقرأ أبو حيوة ﴿ إن ﴾ بالفتح على صريح التعليل أي لأن، وحمل قتيبة بن مسلم ذلك على البدل ثم أنكر القراءة لذلك لأنه يؤدي إلى أن يقال : فلا يحزنك أن العزة لله جميعاً وهو فاسد.
وذكر الزمخشري أنه لو حمل على البدل لكان له وجه أيضاً على أسلوب ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين ﴾ [ القصص : ٨٦ ] ﴿ وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءاخَرَ ﴾ [ القصص : ٨٨ ] فيكون للتهييج والإلهاب والتعريض بالغير وفيه بعد ﴿ هُوَ السميع العليم ﴾ يسمع أقوالهم في حقك ويعلم ما يضمرونه عليك فيكافؤهم على ذلك وما ذكرناه في الآية هو الظاهر المتبادر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله تعالى وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله ﷺ فجاءه من الله سبحانه فيما يعاتبه ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السميع العليم ﴾ يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم ولا يخفى أنه خلاف الظاهر جداً مع ما فيه من تعليق العلم بما علق بالسمع، ولعل روايته عن الحبر غير معول عليها. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١١ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon