وأما الأخبار فكثيرة روى عمر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :" هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس " ثم قرأ هذه الآية، وعن النبي ﷺ أنه قال :" هم الذين يذكر الله تعالى برؤيتهم " قال أهل التحقيق : السبب فيه أن مشاهدتهم تذكر أمر الآخرة لما يشاهد فيهم من آيات الخشوع والخضوع، ولما ذكر الله تعالى سبحانه في قوله :﴿سيماهم فِى وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود﴾ [ الفتح : ٢٩ ] وأما الأثر، فقال أبو بكر الأصم : أولياء الله هم الذين تولى الله تعالى هدايتهم بالبرهان وتولوا القيام بحق عبودية الله تعالى والدعوة إليه، وأما المعقول فنقول : ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب، فولى كل شيء هو الذي يكون قريباً منه، والقرب من الله تعالى بالمكان والجهة محال، فالقرب منه إنما يكون إذا كان القلب مستغرقاً في نور معرفة الله تعالى سبحانه، فإن رأى دلائل قدرة الله، وإن سمع سمع آيات الله وإن نطق نطق بالثناء على الله، وإن تحرك تحرك في خدمة الله، وإن اجتهد اجتهد في طاعة الله، فهنالك يكون في غاية القرب من الله، فهذا الشخص يكون ولياً لله تعالى، وإذا كان كذلك كان الله تعالى ولياً له أيضاً كما قال الله تعالى :
﴿الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ] ويجب أن يكون الأمر كذلك، لأن القرب لا يحصل إلا من الجانبين.
وقال المتكلمون : ولي الله من يكون آتياً بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل ويكون آتياً بالأعمال الصالحة على وفق ما وردت به الشريعة، فهذا كلام مختصر في تفسير الولي.
وأما قوله تعالى في صفتهم :﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ففيه بحثان :


الصفحة التالية
Icon