صحيح أن ابن نوح فطن إلى أن السفينة سوف تستوي على " الجدوى "، وأن من يركبها لن يغرق، وكذلك من يأوي إلى الجبل العالي، لكنه لم يفطن إلى الموج الذي حال بينه وبين الجبل ؛ فكان من المغرقين.
إذن : فكل كائن هو مؤتمر بأمر الله تعالى، وما دامت العزة لله جميعاً فمصداقها أن لله تعالى ما في السموات وما في الأرض، وليس هناك كائن في الوجود يتأبَّى على أن يكون جندياً من جنود الحق سبحانه، فيكون جندياً للإهلاك، وجندياً للنجاة في نفس الوقت.
وقول الحق سبحانه هنا :( ألا ) نعلم من أن ( ألا ) أداة تنبيه للسامع فلا يؤخذ على غرَّة ولا تفوته حكمة من حكم الكلام، وينتبه إلى أن هناك خطاباً عليه أن يجمع عقله كله ليحسن استقبال ما في هذا الخطاب.
ويقول الحق سبحانه :
﴿ ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض ﴾ [ يونس : ٦٦ ].
ولقائل أن يقول : هناك كثير من الكائنات غير العاقلة، وقوله هنا ﴿ مَن ﴾ مقصود به الكائنات العاقلة؟
ولنا أن نتساءل للرَّدِّ على هذا القائل :
وهل هناك أي شيء في الوجود لا يفهم عن الله؟
طبعاً لا، والله سبحانه وتعالى هو القائل عن الأرض :
﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا ﴾ [ الزلزلة : ٤٥ ].
إذن : فكل الكائنات في عُرف الاستقبال عن الله سبحانه سواء ب " مَنْ " أو ب " ما "، وكل من في الوجود يفهم عن الله.
ونلحظ أن الحق سبحانه يأتي مرة بالقول :﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً ﴾ [ آل عمران : ٨٣ ].
ومرة يقول الحق سبحانه :﴿ ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض ﴾ [ يونس : ٦٦ ].
كما جاء في هذه الآية التي نحن بصددها الآن.
شاء الحق سبحانه ذلك، لأن هناك جنساً في الوجود يوجد في السماء ويوجد في الأرض، وهم الملائكة المُدَبِّرَات أمْراً، هؤلاء هم المقصودون بأن لله ما في السموات والأرض.