إن الظن حكم بالراجح كما أوضحنا من قبل في النسب من أن هناك نسبة إنْ لم تكن موجودة فهي مشكوك فيها، أو نسبة راجحة، أو أن نسبة تساوي فيها الشك مع الإثبات، فإنْ كان الشك مساوياً للإثبات فهذا هو الشك. وإن رجحت، فهذا هو الظن. أما المرجوح فنسميه وهماً.
الظن إذن حكم بالراجح. والخًَرْص : هو التخمين، والقول بلا قاعدة أو دليل.
والحق سبحانه يقول هنا :
﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ [ يونس : ٦٦ ].
والقرآن حين يوجه خطاباً فهو يأتي بالخطاب المستوعب لكل ممكن، وهو سبحانه حكم عليهم هنا أنهم يتَّبعون الظن والخرص.
ونحن نعلم أن الكافرين قسمان : قسم يُعْلم حقيقة الشيء، ولكنه يغيّر الحقيقة إلى إفك وإلى خَرْص، وقسم آخر لا يعرف حقيقة الشيء، بل يستمع إلى من يعتقد أنه يعرف.
إذن : فهناك مُتَّبِع بكسر الباء وهناك مُتَّبًَع بفتح الباء المُتَّبَع بفتح الباء يعلم أن ما يقوله هو كلام ملتوٍ، يشوّه الحقيقة ويزينها، أما المتّبع بكسر الباء فيظن أنه يتبع أناساً عاقلين أمناء فأخذ كلامهم بتصديق.
إذن : فالمتبع ( بكسر الباء ) يكون الظن من ناحيته، أما المتبع ( فتح الباء ) فيكون الخَرْصو الكذب والافتراء من ناحيته ؛ ولذلك يقول لنا الحق سبحانه :
﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الكتاب إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ [ البقرة : ٧٨ ].
هؤلاء إذن يصدِّقون ما يقال لهم ؛ لأنهم أميُّون، والكلام الذي يقال لهم راجح، وهم لو فكروا بعقولهم لما انتهوا إلى أنه كلام راجح.
أما الآخرون فيقول فيهم الحق سبحانه :
﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ [ البقرة : ٧٩ ].
وهؤلاء هم الذين يأتي منهم الخَرْص والإفك وقول الزور والبهتان.