وقال ابن عاشور :
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾
جملة معترضة بين جملة :﴿ إن يتبعون إلا الظنّ ﴾ [ يونس : ٦٦ ] وجملة :﴿ قالوا اتخذ الله ولداً ﴾ [ يونس : ٦٨ ] جاءت مجيء الاستدلال على فساد ظنهم وخَرْصهم بشواهد خلق الليل والنهار المشاهَدِ في كل يوم من العمر مرّتين وهم في غفلة عن دلالته، وهو خلق نظام النهار والليل.
وكيف كان النهار وقتاً ينتشر فيه النور فيناسب المشاهدة لاحتياج الناس في حركات أعمالهم إلى إحساس البصر الذي به تتبين ذوات الأشياء وأحوالها لتناول، الصالح منها في العمل ونبذ غير الصالح للعمل.
وكيف كان الليل وقتاً تغشاه الظلمة فكان مناسباً للسكون لاحتياج الناس فيه إلى الراحة من تعب الأعمال التي كدحوا لها في النهار.
فاكانت الظلمة باعثة الناس على الراحة ومحددة لهم إبانها بحيث يستوي في ذلك الفَطِن والغافل.
ولما قابل السكون في جانب الليل بالإبصار في جانب النهار، والليل والنهار ضدّان دلّ ذلك على أنّ علة السكون عدم الإبصار، وأنّ الإبصار يقتضي الحركة فكان في الكلام احتباك.
ووصف النهار بمبصر مجاز عقلي للمبالغة في حصول الإبصار فيه حتَّى جعل النَّهار هو المبصر.
والمراد : مبصِراً فيه الناسُ.
ومن لطائف المناسبة أنّ النّور الذي هو كيفية زمن النَّهار، شيء وجودي، فكان زمانه حقيقاً بأن يوصف بأوصاف العقلاء، بخلاف الليل فإن ظلمته عدمية فاقتصر في العبرة به على ذكر الفائدة الحاصلة فيه وهي أن يسكنوا فيه.
وفي قوله :﴿ هو الذي جعل لكم الليل ﴾ طريق من طرق القصر وهو تعريف المسند والمسند إليه.


الصفحة التالية
Icon