وقال الآلوسى :
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا ﴾ أي أرسلنا ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي من بعد نوح عليه الصلاة والسلام ﴿ رُسُلاً ﴾ أي كراماً ذوي عذر كثير فالتنكير للتفخيم والتكثير ﴿ إلى قَوْمِهِمْ ﴾ قيل أي إلى أقوامهم على معنى أرسلنا كل رسول الله إلى قوم خاصة مثل هود إلى عاد وصالح إلى ثمود وغير ذلك ممن قص منهم ومن لم يقص لا على معنى أرسلنا كل رسول منهم إلى أقوام الكل أو إلى قوم أي قوم كانوا، وفيه إشارة إلى أن عموم الرسالة إلى البشر لم يثبت لأحد من أولئك الرسل عليهم الصلاة والسلام، وظاهر كلامهم الإجماع على أن ذلك مخصوص بنبينا ﷺ ولم يثبت لأحد ممن أرسل بعد نوح، واختلف فيه عليه السلام هل بعث إلى أهل الأرض كافة أو إلى أهل صقع منها، وعليه يبنى النظر في الغرق هل عم جميع أهل الأرض أو كان لبعضهم وهم أهل دعوته المكذبيين به كما هو ظاهر كثير من الآيات والأحاديث، قال ابن عطية : الراجح عند المحققين هو الثاني، وكثير من أهل الأرض كأهل الصين وغيرهم ينكرون عموم الغرق، والأول لا ينافي القول باختصاص عموم الرسالة على العموم المشهور بين الخصوص والعموم بنبينا ﷺ لأنها لمن بعده إلى يوم القيامة.
وزعم بعضهم أن الغرق كان عاماً مع خصوص البعثة ولا مانع من أن يهلك الله تعالى من لا جناية له مع من له جناية ولا اعتراض عليه سبحانه فيما ذكر إذ هو تصرف في خالص ملكه ولا يسئل عما يفعل.
وفي قوله سبحانه :﴿ واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ﴾ [ الأنفال : ٢٥ ] نوع إشارة إلى ذلك.


الصفحة التالية
Icon