قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل يضعفه ما ذكر الله قبل عنهم من أنهم صمموا على أنه سحر بقولهم :﴿ إن هذا لسحر مبين ﴾ وقال بعضهم بل قالوا ذلك على معنى التعظيم للسحر الذي رأوه بزعمهم كما تقول لفرس تراه يجيد الجري : أفرس هذا ؟ على معنى التعجب منه والاستغراب وأنت قد علمت أنه فرس، وقالت فرقة غير هاتين : ليس ذلك حكاية من موسى عنهم بل القول الذي حكاه عنهم مقدر تقديره أتقولون للحق لما جاءكم سحر.
قال القاضي أبو محمد : أو نحو هذا من التقدير، ثم ابتدأ يوقفهم بقوله :﴿ أسحر هذا ﴾ على جهة التوبيخ، ثم أخبرهم عن الله تعالى أن الساحرين لا يفلحون ولا يظفرون ببغية، ومثل هذا التقدير المحذوف على هذا التأويل موجود في كلام العرب، ومنه قول ذي الرمة :
فلما لبسن الليل أو حين نصّبت... له من خذا آذانها وهو جانح
يريد أو حين قاربن ذلك، ومنه قول الله تعالى :﴿ فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم ﴾ [ الإسراء : ٧ ] المعنى بعثناهم ليسوءوا، ومثل هذا كثير شائع، وقوله تعالى :﴿ قالوا أجئتنا ﴾ الآية، المعنى قال قوم فرعون لموسى : أجئتنا لتصرفنا وتلوينا وتردنا عن دين آبائنا، ويقال لفت الرجل عن الآخر إذا لواه، ومنه قولهم : التفت فإنه افتعل من لفت عنقه، ومنه قول رؤبة :[ الرجز ]
لفتاً وتهزيعاً سواء اللفت... وقرأ السبعة سوى أبي عمرو فإنه اختلف عنه " وتكون " بالتاء من فوق وهي قراءة جمهور الناس، وقرأ الحسن بن أبي الحسن فيما زعم خارجة وإسماعيل، " ويكون " بالياء من تحت ورويت عن أبي عمرو وعن عاصم وهي قراءة ابن مسعود، و﴿ الكبرياء ﴾ : مصدر مبالغ من الكبر، والمراد به في هذا الموضع الملك، وكذلك قال فيه مجاهد والضحاك وأكثر المتأولين، لأنه أعظم تكبر الدنيا، ومنه قول الشاعر [ ابن الرقاع ] :[ الخفيف ]
مؤددا غير فاحش لا تداني... ه تجبارة ولا كبرياء
وقوله ﴿ بمؤمنين ﴾ بمصدقين. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon