وكان على نوح عليه السلام أن يطلب منهم أجراً ؛ لأنه يهديهم إلى الحق، هذا في أصول التقييم للأشياء ؛ لأنه يقدِّم لهم نفعاً أساسياً، لكنه يعلن أنه لا يطلب أجراً وكأنه يقول : إن عملي كان يجب أن يكون له أجر ؛ لأن منفعته تعود عليكم، وكان من الواجب أن آخذ أجراً عليه.
ولكن نوحاً عليه السلام تنازل عن الأجر منهم ؛ لأنه أراد الأجر الأعلى، فلو أخذ منهم ؛ فلسوف يأخذ على قدر إمكاناتهم، ولكن الأجر من الله تعالى هو على قدر إمكانيات الله سبحانه وتعالى، وفارق بين إمكانات المحدود العطاء وهو البشر، ومن له قدرة عطاء لا نهاية لها وهو الله سبحانه وتعالى.
وهنا يقول :﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾ [ يونس : ٧٢ ].
فهذا التولِّي والإِعراض لا يضرُّني ولا ينفعني ؛ لأنكم لا تملكون لي ضُرّاً ولا تملكون لي نفعاً ؛ لأني لن آخذ منكم أجراً.
ومن العجيب أن كل مواكب الرسل عليهم السلام حين يخاطبون أقوامهم يخاطبونهم بهذه العبارة :
﴿ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ﴾ [ ص : ٨٦ ].
إلا في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وقصة موسى عليه السلام، فعن قصة سيدنا إبراهيم يأتي قول الحق سبحانه :
﴿ واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [ الشعراء : ٦٩٧٤ ].
ولم يأت الحق سبحانه فيها بشيء عن عدم السؤال عن الأجر.
وأيضاً في قصة سيدنا موسى عليه السلام، قال الحق سبحانه :