ولما كان قد رأى منهم من التكبر على الله والتكذيب لآياته والتعذيب لأوليائه ما لا يشفي غيظه منه إلا إدامة شقائهم دنيا وأخرى، وكان عالماً بأن قدرة الله على إبقائهم على الكفر مع تحسيرهم بسلب المال كقدرته على ذلك باستدراجهم إليه بالمال، قال :﴿واشدد﴾ أي شداً ظاهراً لكل أحد - بما أشار إليه الفك مستعلياً ﴿على قلوبهم﴾ قال ابن عباس : اطبع عليها وامنعها من الإيمان، وأجاب الدعاء بقوله :﴿فلا يؤمنوا﴾ أي ليتسبب عن ذلك الشد عدم إيمانهم إذا رأوا مبادىء العذاب الطمس ﴿حتى يروا﴾ أي بأعينهم ﴿العذاب الأليم﴾ حيث لا ينفعهم الإيمان فيكونوا جامعين ذل النفوس المطلوب منهم اليوم ليفيدهم العز الدائم إلى شدة الغضب بوضع الشيء في غير موضعه المنتج لدوام ذلهم بالعقاب ؛ وهذه الآية منبهة على أن الرضى بكفر خاص لا يستلزم استحسان الكفر من حيث هو كفر ؛ قال الإمام الحليمي في كتاب شعب الإيمان المسمى بالمنهاج : وإذا تمنى مسلم كفر مسلم فهذا على وجهين : أحدهما أن يتمناه له كما يتمنى الصديق لصديقه الشيء يستحسنه فيحب أن يكون له فيه نصيب، فهذا كفر لأن استحسان الكفر كفر، والآخر أن يتمناه له كما يتمنى لعدوه الشيء يستفظعه - فيجب أن يقع فيه، فهذا ليس بكفر، تمنى موسى صلوات الله عليه وسلامه بعد أن أجهده فرعون ألا يؤمن فرعون وملأه ليحق عليهم العذاب، وزاد على ذلك أن دعا الله تبارك وتعالى فلم ينكر تعالى ذلك عليه لعلمه أن شدته على فرعون وغلظته عليه لما رآه من عتوه وتجبره هي التي حملته على ذلك، فمن كان في معناه فله حكمه ؛ وقد نقل ذلك عنه الزركشي في حرف الثاء من قواعده مرتضياً له، ونقل عنه أيضاً أنه قال : ولو كان في قلب مسلم على كافر فأسلم فحزن المسلم لذلك وتمنى لو عاد إلى الكفر لا يكفر، لأن استقباحه الكفر هو الذي حمله على تمنيه واستحسانه الإسلام هو الحامل لله على كراهته ؛ ونقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لو قتل عدو