وروي أنهم حين دعا موسى بهذه الدعوة رجع سكرهم حجارة وزادهم ودنانيرهم وحبوبهم من الأطعمة رجعت حجارة، قاله محمد بن كعب القرظي وقتادة وابن زيد، قاله مجاهد وغيره، معناه أهلكها ودمرها، وروي أن الطمسة من آيات موسى التسع، وقوله ﴿ اشدد على قلوبهم ﴾ بمعنى اطبع واختم عليهم بالكفر، قاله مجاهد والضحاك، ولما أشار عمر بن الخطاب على رسول الله ﷺ بقتل أسرى بدر شبهه بموسى في دعائه على قومه الذين بعث إليهم في هذه الآية وبنوح في قوله ﴿ لا تذر على الأرض من الكافريرن دياراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ]. وقوله ﴿ فلا يؤمنوا ﴾ مذهب الأخفش وغيره أن الفعل منصوب عطفاً على قوله ﴿ ليضلوا ﴾، وقيل هو منصوب في جواب الأمر، وقال الفراء والكسائي : هو مجزوم على الدعاء ومنه قول الشاعر [ الأعشى ] :[ الطويل ]
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى... ولا تلقني إلاَّ وأنفُكَ راغمُ
وجعل رؤية العذاب نهاية وغاية، وذلك لعلمه من قبل الله أن المؤمن عند رؤية العذاب لا ينفعه إيمانه في ذلك الوقت ولا يخرجه من كفره، ثم أجاب الله هذه الدعوة في فرعون نفسه، قال ابن عباس :﴿ العذاب ﴾ هنا الغرق، وقرأ الناس " دعوتكما "، وقرأ السدي والضحاك " دعواتكما "، وروي عن ابن جريج ومحمد بن علي والضحاك أن الدعوة لم تظهر إجابتها إلا بعد أربعين سنة، وحينئذ كان الغرق.
قال القاضي أبو محمد : وأعلما أن دعاءهما صادق مقدوراً، وهذا معنى إجابة الدعاء، وقيل لهما ﴿ لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ﴾ أي في أن تستعجلا قضائي فإن وعدي لا خلف له، وقوله ﴿ دعوتكما ﴾ ولم يتقدم الدعاء إلا لموسى، وروي أن هارون كان يؤمِّن على دعاء موسى، قاله محمد بن كعب القرظي، نسب الدعوة إليهما، وقيل كنّى عن الواحد بلفظ التثنية كما قال " قفا نبكي " ونحو هذا.