وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ وقال موسى - إلى - الكافرين ﴾
ابتداء حكاية قول موسى لجماعة بني إسرائيل المؤمنين منهم مؤنساً لهم ونادباً إلى التوكل على الله الذي بيده النصر ومسألة التوكل متشعبة للناس فيها خوضات، والذي أقول : إن التوكل الذي يأمرنا له هو مقترن بتسبب جميل على مقتضى الشرع، وهو الذي في قوله ﷺ " قيدها وتوكل " فقد جعله متوكلاً مع التقييد والنبي ﷺ رأس المتوكلين وقد تسبب عمره كله، وكذلك السلف كله، فإن شذ متوكل فترك التسبب جملة فهي رتبة رفيعة ما لم يسرف بها إلى حد قتل نفسه وإهلاكها، كمن يدخل غاراً خفياً يتوكل فيه فهذا ونحوه مكروه عند جماعة من العلماء، وما روي من إقدام عامر بن قيس على الأسد ونحو ذلك كله ضعيف، وللصحيح منه قرائن تسهله، وللمسلمين أجمعين قال الله تعالى ﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ﴾ [ البقرة : ١٩٨ ]، ولهم قال ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ [ الأنفال : ٢ ] ليس فيه أنهم يتركون التسبب جملة واحدة ولا حفظ عن عكاشة أنه ترك التسبب بل كان يغزو ويأخذ سهمه، وأعني بذلك ترك التسبب في الغذاء، وأما ترك التسبب في الطب فسهل وكثير من الناس جبل عليه دون نية وحسبة، فكيف بمن يحتسب، وقال لهم :﴿ إن كنتم آمنتم ﴾ مع علمه بإيمانهم على جهة إقامة الحجة وتنبيه الأنفس و" إثارة الأنفة كما تقول، إن كنت رجلاً فقاتل، تخاطب بذلك رجلاً تريد إقامة نفسه، وقوله ﴿ إن كنتم مسلمين ﴾، يريد أهل طاعة منضافة إلى الإيمان المشروط، فذكر الإسلام فيه زيادة معنى، ثم ذكر أنه أجاب بنو إسرائيل بنية التوكل على الله والنطق بذلك، ثم دعوا في أن لا يجعلهم فتنة للظلمة، والمعنى لا تنزل بنا بلاء بأيديهم أو بغير ذلك مدة مجاورتنا لهم فيفتنون ويعتقدون إن إهلاكنا إنما هو بقصد منك لسوء ديننا وصلاح دينهم وأنهم أهل الحق، قاله مجاهد وغيره.