وقال أبو السعود :
﴿ فَلَوْلاَ كَانَتْ ﴾
كلامٌ مستأنفٌ لتقرير ما سبق من استحالة إيمانِ من حقت عليهم كلمتُه تعالى لسوءِ اختيارِهم مع تمكنهم من التدارك فيكونُ الاستثناءُ الآتي بياناً لكون قومِ يونسَ عليه السلام ممن لم يحِقَّ عليه الكلمةُ لاهتدائهم إلى التدارك في وقته ولولا بمعنى هلاّ وقرىء كذلك أي فهلاّ كانت ﴿ قَرْيَةٌ ﴾ من القرى المهلَكة ﴿ ءامَنتْ ﴾ قبل معاينةِ العذابِ ولم تؤخِّرْ إيمانَها إلى حين معاينتِه كما فعل فرعونُ وقومُه ﴿ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ﴾ بأن يقبَله الله تعالى منها ويكشِفَ بسببه العذابَ عنها ﴿ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ ﴾ استثناءٌ منقطعٌ أي لكن قومُ يونسَ ﴿ لَمَّا ءامَنُواْ ﴾ أولَ ما رأوا أمارةَ العذابِ ولم يؤخِّروا إلى حلوله ﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزى فِى الحياة الدنيا ﴾ بعد ما أظلهم وكاد يحِلّ بهم ويجوز أن تكونَ الجملةُ في معنى النفي كما يُفصح عنه حرفُ التحضيض فيكون الاستئناءُ متصلاً إذِ المرادُ بالقرى أهاليها كأنه قيل : ما آمنت طائفةٌ من الأمم الماضيِة فينفعهم إيمانُهم إلا قومَ يونَس عليه السلام فيكون قوله تعالى :﴿ لَمَّا ءامَنُواْ ﴾ استئنافاً لبيان نفعِ إيمانِهم ويؤيده قراءةُ الرفعِ على البدلية ﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ ﴾ بمتاع الدنيا بعد كشفِ العذاب عنهم ﴿ إلى حِينٍ ﴾ مقدرٍ لهم في علم الله سبحانه. رُوي أن يونسَ عليه السلام بُعث إلى نينوى من أرض الموْصِل فكذبوه فذهب عنهم مغاضباً فلما فقَدوه خافوا نزولَ العذاب فلبِسوا المُسوحَ وعجّوا أربعين ليلةً وقيل : قال لهم يونسُ عليه السلام : أجلُكم أربعون ليلةً فقالوا : إن رأينا أسبابَ الهلاك آمنّا بك فلما مضَتْ خمسٌ وثلاثون أغامت السماء غيماً أسودَ هائلاً يدخّن دُخاناً شديداً ثم يهبِط حتى يغشى مدينتَهم ويسودّ سطوحُهم فلبِسوا المسوحَ وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائِهم وصِبيانهم وداوبّهم وفرقوا بين النساء والصبيان والدواب وأولادِها فحنّ بعضُها إلى بعض وعلت