المسألة الرابعة :
احتج أصحابنا على صحة قولهم بأن خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى بقوله تعالى :﴿وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ﴾ وتقريره أن الرجس قد يراد به العمل القبيح قال تعالى :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [ الأحزاب : ٣٣ ] والمراد من الرجس ههنا العمل القبيح، سواء كان كفراً أو معصية، وبالتطهير نقل العبد من رجس الكفر والمعصية إلى طهارة الإيمان والطاعة، فلما ذكر الله تعالى فيما قبل هذه الآية أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله تعالى وتخليقه، ذكر بعده أن الرجس لا يحصل إلا بتخليقه وتكوينه.
والرجس الذي يقابل الإيمان ليس إلا الكفر، فثبت دلالة هذه الآية على أن الكفر والإيمان من الله تعالى.
أجاب أبو علي الفارسي النحوي عنه فقال : الرجس، يحتمل وجهين آخرين : أحدهما : أن يكون المراد منه العذاب، فقوله :﴿وَيَجْعَلُ الرجس عَلَى الذين لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي يلحق العذاب بهم كما قال :﴿وَيُعَذّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات﴾ [ الفتح : ٦ ] والثاني : أنه تعالى يحكم عليهم بأنهم رجس كما قال :﴿إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ﴾ [ التوبة : ٢٨ ] والمعنى أن الطهارة الثابتة للمسلمين لم تحصل لهم.
والجواب : أنا قد بينا بالدليل العقلي أن الجهل لا يمكن أن يكون فعلاً للعبد لأنه لا يريده ولا يقصد إلى تكوينه، وإنما يريد ضده، وإنما قصد إلى تحصيل ضده، فلو كان به لما حصل إلا ما قصده وأوردنا السؤالات على هذه الحجة وأجبنا عنها فيما سلف من هذا الكتاب.


الصفحة التالية
Icon