وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ﴾
عطف على جملة ﴿ إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ﴾ [ يونس : ٩٧ ] لتسلية النبي ﷺ على ما لقيه من قومه.
وهذا تذييل لما تقدم من مشابهة حال قريش مع النبي ﷺ بحال قوم نوح وقوم موسى وقوم يونس.
وهذه الجملة كالمقدمة الكلية للجملة التي بعدها، وهي جملة :﴿ أفأنت تكره ﴾ المفرعة على الجملة الأولى، وهي المقصود من التسلية.
والناس : العرب، أو أهل مكة منهم، وذلك إيماء إلى أنهم المقصود من سوق القصص الماضية كما بيّنّاه عند قوله تعالى :﴿ واتل عليهم نبأ نوح ﴾ [ يونس : ٧١ ].
والتأكيد بـ ﴿ كلهم ﴾ للتنصيص على العموم المستفاد من ( مَن ) الموصولة فإنها للعموم، والتأكيد بـ ﴿ جميعاً ﴾ لزيادة رفع احتمال العموم العرفي دون الحقيقي.
والمعنى : لو شاء الله لجعل مدارك الناس متساوية منساقة إلى الخير، فكانوا سواء في قبول الهدى والنظر الصحيح.
و( لو ) تقتضي انتفاء جوابها لانتفاء شرطها.
فالمعنى : لكنه لم يشأ ذلك، فاقتضت حكمته أن خلق عقول الناس متأثرة ومنفعلة بمؤثرات التفاوت في إدراك الحقائق فلم يتواطؤا على الإيمان، وما كان لنفس أن تؤمن إلا إذا استكملت خلقة عقلها ما يهيئها للنظر الصحيح وحسن الوعي لدعوة الخير ومغالبة الهدى في الاعتراف بالحق.
وجملة :﴿ أفأنت تكره الناس ﴾ الخ مفرّعة على التي قبلها، لأنّه لما تقرر أن الله لم تتعلق مشيئته باتفاق الناس على الإيمان بالله تفرع على ذلك إنكار ما هو كالمحاولة لتحصيل إيمانهم جميعاً.
والاستفهام في ﴿ أفأنت تُكره الناس ﴾ إنكاري، فنزّل النبي ﷺ لحرصه على إيمان أهل مكة وحثيث سعيه لذلك بكل وسيلة صالحة منزلة من يحاول إكراههم على الإيمان حتى ترتب على ذلك التنزيل إنكاره عليه.


الصفحة التالية
Icon