قال تعالى :﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ [ الإسراء : ١ ] والمراد من قوله :﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات﴾ تلك المنافع، وأيضاً المراد منها أنه تعالى أورث بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي قوم فرعون من الناطق والصامت والحرث والنسل، كما قال :﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ].
ثم قال تعالى :﴿فَمَا اختلفوا حتى جَاءهُمُ العلم﴾ والمراد أن قوم موسى عليه السلام بقوا على ملة واحدة ومقالة واحدة من غير اختلاف حتى قرؤا التوراة، فحينئذ تنبهوا للمسائل والمطالب ووقع الاختلاف بينهم.
ثم بين تعالى أن هذا النوع من الاختلاف لا بد وأن يبقى في دار الدنيا، وأنه تعالى يقضي بينهم يوم القيامة.
وأما القول الثاني : وهو أن المراد ببني إسرائيل في هذه الآية اليهود الذين كانوا في زمان محمد عليه الصلاة والسلام فهذا قال به قوم عظيم من المفسرين.
قال ابن عباس : وهم قريظة والنضير وبنو قينقاع أنزلناهم منزل صدق ما بين المدينة والشام ورزقناهم من الطيبات، والمراد ما في تلك البلاد من الرطب والتمر التي ليس مثلها طيباً في البلاد، ثم إنهم بقوا على دينهم، ولم يظهر فيهم الاختلاف حتى جاءهم العلم، والمراد من العلم القرآن النازل على محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما سماه علماً، لأنه سبب العلم وتسمية السبب باسم المسبب مجاز مشهور.
وفي كون القرآن سبباً لحدوث الاختلاف وجهان : الأول : أن اليهود كانوا يخبرون بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام ويفتخرون به على سائر الناس، فلما بعثه الله تعالى كذبوه حسداً وبغياً وإيثاراً لبقاء الرياسة وآمن به طائفة منهم، فبهذا الطريق صار نزول القرآن سبباً لحدوث الاختلاف فيهم.


الصفحة التالية
Icon