وقال ابن عاشور :
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
استئناف ناشىء عن قوله :﴿ ولو شاء ربك لآمن مَن في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس ﴾ [ يونس : ٩٩ ] الخ.
قسّم الناس إلى قسمين : مؤمنين وكافرين، أي فادعهم إلى النظر في دلائل الوحدانية والإرشاد إلى تحصيل أسباب الإيمان ودفع غشاوات الكفر، وذلك بالإرشاد إلى النظر والاستدلال بما هو حول الإنسان من أحوال الموجودات وتصاريفها الدالة على الوحدانية، مثل أجرام الكواكب، وتقادير مسيرها، وأحوال النور والظلمة والرياح والسحاب والمطر، وكذلك البحار والجبال.
وافتتحت الجملة بـ ﴿ قل ﴾ للاهتمام بمضمونها.
وقد عمم ما في السماوات والأرض لتتوجه كلّ نفس إلى ما هو أقرب إليها وأيسر استدلالاً عليه لديها.
والنظر : هنا مستعمل فيما يصلح للنظر القلبي والنظر البصري، ولذلك عدل عن إعماله عمل أحد الفعلين لكيلا يتمحض له، فَجيءَ بعده بالاستفهام المعلّق لكلا الفعلين بحيث أصبح حمل النظر على كليهما على حد السواء فصار صالحاً للمعنيين الحقيقي والمجازي، وذلك من مقاصد القرآن.
و﴿ ماذا ﴾ بمعنى ما الذي، و ( ما ) استفهام، و ( ذا ) أصله اسم إشارة، وهو إذا وقع بعد ( ما ) قَام مقام اسم موصول.
و﴿ في السماوات والأرض ﴾ قائم مقام صلة الموصول.
وأصل وضع التركيب : مَا هذا في السماوات والأرض، أي ما المشار إليه حال كونه في السماوات والأرض، فكثر استعماله حتى صار في معنى : ما الذي.
والمقصود : انظروا ما يدلكم على جواب هذا الاستفهام، فكل شيء له حالة فهو مراد بالنظر العقلي بتركيبه في صورة مفعولين، نحو : انظروا الشمس طالعة، وانظروا السحاب ممطراً، وهكذا، وكل شيء هو في ذاته آية فهو مراد بالنظر البصري نحو : انظروا إنبات الأرض بعد جدبها فهو آية على وقوع البعث.