فصل
قال الفخر :
﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾
اعلم أنه تعالى لما ذكر من قبل اختلافهم عند ما جاءهم العلم أورد على رسول الله ﷺ في هذه الآية ما يقوي قلبه في صحة القرآن والنبوة، فقال تعالى :﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :
قال الواحدي الشك في وضع اللغة، ضم بعض الشيء إلى بعض، يقال : شك الجواهر في العقد إذا ضم بعضها إلى بعض.
ويقال شككت الصيد إذا رميته فضممت يده أو رجله إلى رجله والشكائك من الهوادج ما شك بعضها ببعض والشكاك البيوت المصطفة والشكائك الأدعياء، لأنهم يشكون أنفسهم إلى قوم ليسوا منهم، أي يضمون، وشك الرجل في السلاح، إذا دخل فيه وضمه إلى نفسه وألزمه إياها، فإذا قالوا : شك فلان في الأمور أرادوا أنه وقف نفسه بين شيئين، فيجوز هذا، ويجوز هذا فهو يضم إلى ما يتوهمه شيئاً آخر خلافه.
المسألة الثانية :
اختلف المفسرون : في أن المخاطب بهذا الخطاب من هو ؟ فقيل النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل غيره، أما من قال بالأول : فاختلفوا على وجوه.
الوجه الأول : أن الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى :﴿يا أيها النبى اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ [ الأحزاب : ١ ] وكقوله :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] وكقوله :﴿ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] ومن الأمثلة المشهورة : إياك أعني واسمعي يا جاره.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه : الأول : قوله تعالى في آخر السورة ﴿يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى﴾ [ يونس : ١٠٤ ] فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.