وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ فإن كنت في شك ﴾ الآية
قال بعض المتأولين وروي ذلك عن الحسن : أن ﴿ إن ﴾ نافية بمعنى ما والجمهور على أن ﴿ إن ﴾ شرطية، والصواب في معنى الآية أنها مخاطبة للنبي ﷺ والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض، وقال قوم : الكلام بمنزلة قولك إن كنت ابني فبرَّني.
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا المثال بجيد وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى " أأنت قلت للناس اتخذوني ". وروي أن رجلاً سأل ابن عباس عما يحيك في الصدر من الشك فقال ما نجا من ذلك أحد ولا النبي ﷺ حتى أنزل عليه ﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وذكر الزهراوي أن هذه المقالة أنكرت أن يقولها ابن عباس وبذلك أقول، لأن الخواطر لا ينجو منها أحد وهي خلاف الشك الذي يحال فيه عليه الاستشفاء بالسؤال، و﴿ الذين يقرأون الكتب من قبلك ﴾ هم من أسلم من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره، وروي أن رسول الله ﷺ قال لما نزلت هذه الآية :" أنا لا أشك ولا أسأل " وقرأ " فسل " دون همز الحسن وأبو جعفر وأهل المدينة وأبو عمرو وعيسى وعاصم، وقرأ جمهور عظيم بالهمز، ثم جزم الله الخبر بقوله ﴿ لقد جاءك الحق من ربك ﴾، واللام في ﴿ لقد ﴾ لام قسم، و﴿ الممترين ﴾ معناه الشاكين الذين يحتاجون في اعتقادهم إلى المماراة فيها، وقوله ﴿ مما أنزلنا إليك ﴾ يريد به من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في أمره إلا من بعد مجيئه، وهذا قول أهل التأويل قاطبة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو الذي يشبه أن ترتجى إزالة الشك فيه من قبل أهل الكتاب، ويحتمل اللفظ أن يريد بما أنزلنا جميع الشرع ولكنه بعيد بالمعنى لأن ذلك لا يعرف ويزول الشك فيه إلا بأدلة العقل لا بالسماع من مؤمني بني إسرائيل، وقوله ﴿ ولا تكونن من الذين كذبوا ﴾ الآية، مما خوطب به النبي ﷺ والمراد سواه.


الصفحة التالية
Icon