وقال الخازن :
﴿ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ﴾
الشك في موضع اللغة خلاف اليقين والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان لوجود أمارتين أو لعدم الأمارة والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه فكل شك جهل وليس كل جهل شكاً فإذا قيل فلان شك في هذا الأمر فمعناه توقف فيه حتى يتبين له فيه الصواب أو خلافه وظاهر هذا الخطاب في قوله فإن كنت في شك أنه للنبي ( ﷺ ) والمعنى فإن كنت يا محمد في شك مما أنزلنا إليك يعني من حقيقة ما أخبرناك به وأنزلناه يعني القرآن ﴿ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ﴾ يعني علماء أهل الكتاب يخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وأنك نبي يعرفونك بصفتك عندهم وقد توجه هاهنا سؤال واعتراض وهو أن يقال هل شك النبي ( ﷺ ) فيما أنزل عليه أو في نبوته حتى يسأل أهل الكتاب عن ذلك وإذا كان شاكاً في نبوة نفسه كان غيره أولى بالشك منه.
قلت : الجواب عن هذا السؤال والاعتراض ما قاله القاضي عياض في كتابه الشفاء فإنه أورد هذا السؤال، ثم قال : احذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك النبي ( ﷺ ) فيما أوحي إليه فإنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه ( ﷺ ) جملة بل قال ابن عباس : لم يشك النبي ( ﷺ ) ولم يسأل.
ونحوه عن سعيد بن جبير والحسن البصري.
وحكي عن قتادة أنه قال : بلغنا أن النبي ( ﷺ ) قال " ما أشك ولا أسأل " وعامة المفسرين على هذا، ثم كلام القاضي عياض رحمه الله ثم اختلفوا في معنى الآية ومن المخاطب بهذا الخطاب على قولين أحدهما أن الخطاب للنبي ( ﷺ ) في الظاهر والمراد به غيره فهو كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك ومعلوم أن النبي ( ﷺ ) لم يشرك فثبت أن المراد به غيره ومن أمثلة العرب :
إياك أعني واسمعي يا جارة.


الصفحة التالية
Icon