فصل


قال الفخر :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أنه سبحانه وتعالى قرر في آخر هذه السورة أن جميع الممكنات مستندة إليه وجميع الكائنات محتاجة إليه، والعقول والهة فيه، والرحمة والجود والوجود فائض منه.
واعلم أن الشيء إما أن يكون ضاراً وإما أن يكون نافعاً، وإما أن يكون لا ضاراً ولا نافعاً، وهذان القسمان مشتركان في اسم الخير، ولما كان الضر أمراً وجودياً لا جرم قال فيه :﴿وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ﴾ ولما كان الخير قد يكون وجودياً وقد يكون عدمياً، لا جرم لم يذكر لفظ الإمساس فيه بل قال :﴿وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ﴾ والآية دالة على أن الضر والخير واقعان بقدرة الله تعالى وبقضائه فيدخل فيه الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والسرور والآفات والخيرات والآلام واللذات والراحات والجراحات، فبين سبحانه وتعالى أنه إن قضى لأحد شراً فلا كاشف له إلا هو، وإن قضى لأحد خيراً فلا راد لفضله ألبتة ثم في الآية دقيقة أخرى، وهي أنه تعالى رجح جانب الخير على جانب الشر من ثلاثة أوجه : الأول : أنه تعالى لما ذكر إمساس الضر بين أنه لا كاشف له إلا هو، وذلك يدل على أنه تعالى يزيل المضار، لأن الاستثناء من النفي إثبات، ولما ذكر الخير لم يقل بأنه يدفعه بل قال إنه لا راد لفضله، وذلك يدل على أن الخير مطلوب بالذات، وأن الشر مطلوب بالعرض كما قال النبي ﷺ رواية عن رب العزة أنه قال :" سبقت رحمتي غضبي " الثاني : أنه تعالى قال في صفة الخير :﴿يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ وذلك يدل على أن جانب الخير والرحمة أقوى وأغلب.


الصفحة التالية
Icon