ومعنى ﴿ فَإِن فَعَلْتَ ﴾ [ يونس : ١٠٦ ] الخ فإن اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله تعالى فأنت من الظالمين أي الواضعين للشيء في غير موضعه إذ ما سوى الله تعالى معزول عن التصرف فإضافة التصرف إليه وضع للشيء في غير موضعه وهو الظلم، وطلب الانتفاع بالأشياء التي خلقها الله تعالى للانتفاع بها من الطعام والشراب ونحوهما لا ينافي الرجوع بالكلية إلى الله تعالى بشرط أن يكون بصر العقل عند التوجه إلى شيء من ذلك مشاهداً لقدرة الله تعالى وجوده وإحسانه في إيجاد تلك الموجودات وإيداع تلك المنافع فيها مع الجزم بأنها في أنفسها وذواتها معدومة وهالكة ولا وجود لها ولا بقاء ولا تأثير إلا بإيجاد الله تعالى وإبقائه وإفاضة ما فيها من الخواص عليها بجوده وإحسانه، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ الله ﴾ الخ تقرير لأن جميع الممكنات مستندة إليه سبحانه وتعالى وإنه لا معول إلا عليه عز شأنه، وهو كلام حسن بيد أن زعمه أن قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾ [ يونس : ١٠٥ ] لا يمكن أن يكون نهياً عن عبادة الأوثان الخ لا يخفى ما فيه.
وقد ذكر نحو هذا الكلام في الآيات ساداتنا الصوفية، ففي أسرار القرآن أنه سبحانه خوف نبيه ﷺ من الالتفات إلى غيره في اقباله عليه سبحانه بقوله :﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾ أي من الطالبين غيري والمؤثرين على جمال مشاهدتي ما لا يليق من الحدثان، وقد ذكروا أن إقامة الملة الحنيفية بتصحيح المعرفة وهو لا يكون إلا بترك النظر إلى ما سوى الحق جل جلاله، ثم أنه تعالى زاد تأكيداً للإقبال عليه والاعراض عما سواه بقوله جل شأنه :
﴿ وَلاَ تَدْعُ ﴾ [ يونس : ١٠٦ ] الخ حيث أشار فيه إلى أن من طلب النفع أو الضر من غيره تعالى فهو ظالم أي واضع للربوبية في غير موضعها.


الصفحة التالية
Icon