ولما كان أكثر ذلك وعظاً لهم وتذكيراً ختمه بأمره ـ ﷺ ـ بما يفعله في خاصة نفسه أجابوا أو لمن يجيبوا، فقال عطفاً على قوله ﴿قل يا أيها الناس﴾ :﴿واتبع﴾ أي بجميع جهدك ﴿ما يوحى إليك﴾ وبناه للمفعول لأن ذلك كان بعد أن تقررت عصمته ـ ﷺ ـ وعلم أن كل ما يأتيه من عند الله، فكان ذلك أمكن في أمره باتباع كل ما يأتيه منه سبحانه وفي الإيذان بأنه لا ينطق عن الهوى ﴿واصبر﴾ في تبليغ الرسالة على ما أصابك في ذلك من عظيم الضرر وبليغ الخطر من ضلال من لم يهتد وإعراضه وجفوته وأذاه ﴿حتى يحكم الله﴾ أي الملك الأعظم بين من ضل من أمتك ومن اهتدى ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿خير الحاكمين﴾ لأنه يوقع الحكم في أولى مواقعه وأحقها وأحسنها وأعدلها، وهو المطلع على السرائر فاعمل أنت بما تؤمر به وبشر وأنذر وأخبر وادع إلى الله بجميع ما أمرك به واترك المدعوين حتى يأمرك فيهم بأمره ؛ قال الزمخشري : وروى أنها لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله ـ ﷺ ـ الأنصار قال :" إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني " وتبعه على ذلك أبو حيان وغيره، فإن صح فالسر فيه - والله أعلم - أنه لما أعلمت هذه الآية أن من اتبع الوحي ابتلى بما ينبغي الصبر عليه وأفهمت أن من كان له أشد اتباعاً كان أشد بلاء، وكان الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ م أجمعين أحق بهذا الوصف من غيرهم من حيث إنهم كانوا أول قبيلة جمعها الإيمان ومن حيث كانوا له أسهل قياداً وألين عريكة مع كونهم لم يتقدم لهم عشرة بالنبي ـ ﷺ ـ ولا خبرة بأحواله توجب لهم من اتباعه ما يوجب لمن كان من بني عمه قريش يخالطه ويأنس به ويرى منه معالي الأخلاق وكريم الشمائل ما يوفر داعيته على اتباعه، فلما كان ذلك كذلك، خص النبي ـ ﷺ ـ الأنصار ـ رضى الله عنهم ـ لهذا الأمر، فتفضيلهم في ذلك من الجهتين المذكورتين فلا يتوهم تفضيلهم على