فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾
واعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل على أقصى الغايات وأبلغ النهايات، أمر رسوله بإظهار دينه وبإظهار المباينة عن المشركين، لكي تزول الشكوك والشبهات في أمره وتخرج عبادة الله من طريقة السر إلى الإظهار فقال :﴿قُلْ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِى شَكّ مّن دِينِى﴾ واعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن هؤلاء الكفار ما كانوا يعرفون دين رسول الله ﷺ، وفي الخبر إنهم كانوا يقولون فيه قد صبأ وهو صابىء فأمر الله تعالى أن يبين لهم أنه على دين إبراهيم حنيفاً مسلماً لقوله تعالى :﴿إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً قانتا لِلَّهِ حَنِيفًا﴾ [ النحل : ١٢٠ ] ولقوله :﴿وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السموات والأرض حَنِيفاً﴾ [ الأنعام : ٧٩ ] ولقوله :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [ الكافرون : ٢ ] والمعنى : أنكم إن كنتم لا تعرفون ديني فأنا أبينه لكم على سبيل التفصيل ثم ذكر فيه أموراً.
فالقيد الأول : قوله :﴿فَلاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ وإنما وجب تقديم هذا النفي لما ذكرنا أن إزالة النقوش الفاسدة عن اللوح لا بد وأن تكون مقدمة على إثبات النقوش الصحيحة في ذلك اللوح، وإنما وجب هذا النفي لأن العبادة غاية التعظيم وهي لا تليق إلا بمن حصلت له غاية الجلال والإكرام، وأما الأوثان فإنها أحجار والإنسان أشرف حالاً منها، وكيف يليق بالأشرف أن يشتغل بعبادة الأخس.
القيد الثاني : قوله :﴿ولكن أَعْبُدُ الله الذى يَتَوَفَّاكُمْ﴾ والمقصود أنه لما بين أنه يجب ترك عبادة غير الله، بين أنه يجب الاشتغال بعبادة الله.
فإن قيل : ما الحكمة في ذكر المعبود الحق في هذا المقام بهذه الصفة وهي قوله :﴿الذى يتوفاكم ﴾.