وقال أبو السعود :
﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ ﴾
عطفٌ على أن أكونَ خلا أن صلةَ أن محكيةٌ بصيغة الأمرِ ولا ضيرَ في ذلك لأن مناطَ جوازِ وصلها بصيغ الأفعال دلالتُها على المصدر، وذلك لا يختلف بالخبرية والطلبيةِ، ووجوبُ كونِ الصلةِ خبريةً في الموصول الاسميِّ إنما هو للتوصل إلى وصف المعارفِ بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية، وليس الموصولُ الحرفيُّ كذلك أي وأُمرتُ بالاستقامة في الدين والاستبدادِ فيه بأداء المأمورِ به والانتهاءِ عن المنهيِّ عنه أو باستقبال القبلةِ في الصلاة وعدمِ الالتفات إلى اليمين والشمال ﴿ حَنِيفاً ﴾ حالٌ من الدين أو الوجه أي مائلاً عن الأديان الباطلة ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾ عطفٌ على أقم داخلٌ تحت الأمرِ أي لا تكونن منهم اعتقاداً ولا عملاً وقوله عز وعلا :﴿ وَلاَ تَدْعُ ﴾ عطف على قوله تعالى :﴿ قُلْ يا أيها الناس ﴾ غير داخل تحت الأمر وقيل : على ما قبله من النهي والوجهُ هو الأولُ لأن ما بعده من الجمل إلى آخر الآيتين متسقةٌ لا يمكن فصلُ بعضِها عن بعض كما ترى ولا وجهَ لإدراج الكلِّ تحت الأمرِ، وهو تأكيدٌ للنهي المذكورِ وتفصيلٌ لما أجمل فيه إظهاراً لكمال العنايةِ بالأمر وكشفاً عن وجه بُطلان ما عليه المشركون أي لا تدْعُ ﴿ مِن دُونِ الله ﴾ استقلالاً ولا اشتراكاً ﴿ مَا لاَ يَنفَعُكَ ﴾ إذا دعوتَه بدفع مكروهٍ أو جلبِ محبوب ﴿ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾ إذا تركتَه بسلب المحبوبِ دفعاً أو رفعاً أو بإيقاع المكروهِ، وتقديمُ النفعِ على الضرر غنيٌّ عن بيان السبب ﴿ فَإِن فَعَلْتَ ﴾ أي ما نُهيتَ عنه من دعاء ما لا ينفع ولا يضر، كنّى به عنه تنويهاً لشأنه عليه السلام وتنبيهاً على رفعة مكانِه من أن يُنسَب إليه عبادةُ غير الله سبحانه ولو في ضمن الجملةِ الشرطية ﴿ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين ﴾ جزاءٌ للشرط وجوابٌ لسؤال من يسأل عن تَبِعة ما نُهي عنه. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon