عمل أمرني به ربي "فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ" إذا نجانا اللّه وعذبكم "كَما تَسْخَرُونَ ٦٨" منا الآن، قال هذا على سبيل الإزدواج في مشاكلة الكلام كما في قوله تعالى (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) الآية ٤٠ من سورة الشورى الآتية، لأن السخرية بمعناها المعلوم لا يليق صدورها من منصب النبوة ولما رآهم ازدادوا بالاستهتار به هددهم بقوله "فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" غب عملكم هذا وسترون "مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ" في هذه الدنيا فيذله ويهينه ثم يهلكه ويدمّره "وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ٣٩" في الآخرة لا يتحول عنه، وهو عذاب النار الدائم أنحن أم أنتم، ثم ثابر على عمله ولم يعبا بهم حتى أكملها، قالوا كانت بطول ثمانين ذراعا وعرض خمسين وارتفاع ثلاثين وهو عمقها بذراعه عليه السلام، والذراع من رءوس الأصابع إلى المنكب، وجعلها ثلاث طبقات : عليا ووسطى وسفلى، وجعل فيها كوى ليطل منها إلى الخلاء وليرى بعضهم بعضا منها، وكانت من خشب الساج، وقال الحسن كان طولها ألفا ومثني ذراع، وعرضها ستمئة، وقال غيره طولها ثلاثمائة ذراع، والأول أولى وأنسب وأوجه، أما ما قيل إن صنعها استغرق ثلاثين سنة فإن صح فيكون للقول الثاني وجه، واللّه سبحانه وتعالى أعلم، إذ لم يبين لنا ذلك، والقرآن اقتصر على ذكرها فقط، ولما أمر بر كوبها عند انتهاء الأجل المقدر لإغراق قومه، حمل عليه السلام أهله ومن آمن به، ومن كل ذي روح زوجين اثنين فيها كما أمر، وهذا ما يدل على عظمتها، قالوا وقد جعل اللّه له علامة على ركوبها بقوله عزّ قوله "حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا" بإنفاد عذابهم، وحان الوقت المقدر لإغراقهم في سابق علمه "وَفارَ التَّنُّورُ" بالماء إذ جعلناه علامة لقرب نزول العذاب لقوم نوح عليه السلام وإنجائه ومن آمن به أي أبق منتظرا ظهور هذه الأمارة فإذا رأيتها "قُلْنَا" لك اركب فيها أنت وأهلك ومن