بسبب ولا سبب حسب حكمته البالغة، وهو الإله الفعال لما يريد الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، ولا دافع لقدره ولا يسأل عما يفعل ؟ وما قيل إن اللّه تعالى أعقم أرحام النساء قبل العرق بأربعين سنة كي لا يولد لهم ولد يهلك بسببهم، ليس بسديد، إذ لم يوجد ما يؤيده ويرد عليه إغراق الحيوانات والطيور وأولاد الأمم الأخرى الذين أصابهم الغرق وعمهم البلاء غير قوم نوح عليه السلام، لأن مبدأ دعوته خاصة لقومه ونهايتها عامة كما ذكرناه في الآية ٧٤ من سورة يونس المارة، ولا يوصف جل شأنه بظلم بتعميم العذاب، لما قدمناه غير مرة، وقالوا ان الحيوانات والطيور وقعت على قدمي نوح تلحسها راجية حملها معه بالسفينة، ولم يفعل، لأنه لم يؤمر بذلك.
وقالوا إن الطوفان عم وجه الأرض كلها، وهناك أقوال بأنه عم جزيرة العرب وما بجوارها، يريدون قارة آسيا كلها، وان القرآن لم يذكر بأن الطوفان عم الأرض كلها، وان قوله تعالى حكاية عن سيدنا نوح عليه السلام في دعائه (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) الآية ٣٦ من سورته الآتية، وأن اللّه تعالى أجاب دعاءه، فلم يفهم منه أن إهلاكهم كان بالغرق مع قومه، إذ يمكن أنه أهلكهم بغير طوفان، فلا يكون دليلا قطعيا على إهلاكهم به، ولم يرد فيه خبر أو حديث صحيح، ولأن لفظ الأرض يطلق على إقليم منها كأرض مصر، راجع الآيات ٢١ - ٤٥ و٥٦ من سورة يوسف الآتية ومثلها في سورة المؤمن وغيرها، وإذ لم يرد حديث صحيح أيضا في ذلك ولا فيما نقلناه عن الأخباريين والقصاص، فلا يحق لمجادل أن يجادل فيه، وإن تنويه المؤرخين إذا لم يقصد بحديث لا عبرة به أيضا، إذ لا يوجد تاريخ يعتمد عليه قبل التوراة التي هي أول كتاب استمدّ منه المؤرخون أقوالهم.