غيره إلا بالعلم والعدل، ورب جاهل ظالم غشم في زماننا لقب بقاضي القضاة بمعنى أحكم الحاكمين كما لقب كافر بملك الملوك وهو مع كفره طاغ باغ، وأكره الناس على اللّه من تلقب بهذا، كما في الحديث الشريف إذ لا تليق هاتان الصفتان إلا برب العالمين "قالَ" تعالى "يا نُوحُ إِنَّهُ" ابنك الذي تذكرته وغرق مع من غرق "لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" الذين هم على دينك وليس هو داخل بالوعد الذي وعدتكه "إِنَّهُ عَمَلٌ" بالتنوين وقرىء بكسر الميم فعلا ماضيا أي عمل عملا "غَيْرُ صالِحٍ" وعلى القراءة الثانية تقرأ غير بالنصب على أنها مفعولة لعمل، وعلى القراءة الأولى وهي كون عمل مصدرا فتضم راء غير على أنها صفة للعمل، ويكون المعنى هو نفسه عمل غير صالح لأنه مشرك كافر هذا مبالغة في ذمه لإفناع نوح عليه السلام بأنه ليس من أهله، ولذلك أغرقته لكونه غير داخل في الوعد.
واعلم أن هذا القراءة جائزة لأنه لم يبدل ولم يغير منها حرف، كما أنه لم يزد ولم ينقص من حروف الكلمة، وإنما التبديل وقع فى الإعراب فقط، وكل ما كان على هذا من القراءات لا بأس فيه، أما ما يقع فيها تبديل أو نقص حرف أو زيادته فلا تجوز ولا تعد قراءة إذ هي تفسير لبعض الكلمات وردت من بعض الأصحاب أو كتبت على هامش مصاحفهم.
تدبر هذا واعلم أن أهل الرجل من يجمعه وإباهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما، ولما حكمت الشريعة برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر، قال سبحانه وتعالى منزل هذه الآية لشريعته الثابتة في أزله إنه ليس من أهلك الذين هم على طريقتك وملّنك، لأنه لم يؤمن بك مثلهم، ولهذا فإن صريح الآية أبانت أنه ليس من أهله، وفي مثل هذا قال القائل :
لا ينفع الأصل من هاشم إذا كانت النفس من باهله


الصفحة التالية
Icon