يؤيد هذا التفسير قوله تعالى (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) الآية ٣٤ من من سورة القمر المارة في ج ١، والسحر آخر الليل وأشده ظلمة، وأصل القطع القطعة من الشيء، لذلك قال ابن عباس طائفة من الليل، وقال قتادة بعد صدر منه "وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ" وراءه وضمير منكم يعود على أهله، وقوله لا يلتفت من تسمية النوع وهو من بديع النكات، إذ أن المتأخرين من أهل البديع زعموا أنهم اخترعوا نوعا من البديع لم يكن قبل وسمّوه تسمية النوع، وهو أن يؤتى بشيء من البديع ويذكر اسمه على سبيل التورية كقوله في البديعية في الاستخدام :
واستخدموا العين مني فهي جارية وكم سمعت بها في يوم بينهم
ويتبجحوا في ذلك ولم يعلموا وجوده في كتاب اللّه الذي لم يغفل شيئا في مثل هذه الآية، وإن علومهم وعلوم من تقدمهم مستقاة من هذا القرآن العظيم الذي يقول اللّه تعالى فيه (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ) الآية ٣٨ من الأنعام الآتية فلم يترك شيئا من أفعال وأعمال الأولين والآخرين، قال الأبوصيري رحمه اللّه :
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا عن المعاد وعن عاد وعن ارم
فلا تعد ولا تحصى عجائبها ولا تسام على الإكثار بالسأم
ثم استثنى من أهله عليه السلام فقال "إِلَّا امْرَأَتَكَ" بالنصب على الاستثناء المتصل من أهلك، وبالرفع على البدلية من أحد، أي اتركها لا تأخذها معك "إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ" من العذاب فهي هالكة معهم لرضائها بفعلهم، فلم تمنعهم ولم تزجرهم وكانت تخبرهم بمن يأتي عنده، حتى إنها أخبرتهم بحضور الملائكة ظنا منها أنهم بشر، ولم يروهم حين مجيئهم، وذلك لأنهم لا يمشون مشي البشر، إذ يصلون إلى المحل الذي يريدونه بلحظة، فلا يحس إلا وهم أمام من يقصدونه، قال لوط متى ينزل فيهم العذاب قالوا له "إِنَّمَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ"


الصفحة التالية
Icon