فينتبهوا من غفلتهم ويتعظوا بما حل بهم علهم يرجعوا عن غبهم، ولتسلي نفسك وتتأسى بما تأسى به إخوانك الأنبياء قبلك، لئلا يضيق صدرك مما يجابهونك به، ولتعلمهم أنهم إذا لم يؤمنوا ويرجعوا إلى اللّه فيصيبهم ما أصابهم من
العذاب، وما عليك إلا أن تحذرهم سوء العاقبة وتذكر لهم أحوال أسلافهم وآثارهم "مِنْها" أي القرى المهلك أهلها أثرها "قائِمٌ" لم يزل إذ أن قسما من بنائها باق وجدران أكثرها قائمة واقفة على حالها "وَحَصِيدٌ ١٠١" ومنها خراب مندثر محي أثرها بالكلية لطول الزمن على تركها بلا سكن، كالأرض المحصود زرعها التي كأنها لم تزرع قبل، وأطلقت العرب لفظ الحصيد على الفناء كما قيل :
والناس في قسم المنية بينهم كالزرع منه قائم وحصيد
قال تعالى "وَما ظَلَمْناهُمْ" بما أوقعنا فيهم من العذاب المهلك "وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" بإصرارهم على الكفر ورفض نصح الرسل حتى ماتوا مشركين باللّه كفّارا منكري الآخرة "فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ" أوثانهم "الَّتِي يَدْعُونَ" يعبدونها ويستغيثون بها عند المحن ويرجون نصرتها "مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ" ولم ترد بأسه عنهم في الدنيا "لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ" بإهلاكهم "وَما زادُوهُمْ" في الآخرة عند استشفاعهم بهم "غَيْرَ تَتْبِيبٍ ١٠٢" تدمير وتخسير وتب بمعنى خسر وتبّه غيره أوقعه في الخسران، أي أن عبادتهم للأصنام فضلا عن أنهم لم تفدهم شيئا فقد أهلكتهم فوق إهلاكهم حتى دمّروا تدميرا، قال بشر ابن أبي حاتم :
هم جدعوا الألوف فأذهبوه وهم تركوا بني سعد تبابا