لأن الكل ملكه ولا يعد المتصرف بملكه ظالما كيفما كان تصرفه "وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ١١٨" في أعمالهم ولكن يهلكهم لكفرهم وركوبهم المعاصي والإفساد فيها، وقال بعضهم إن الظلم هنا يراد به الشرك، وعليه يكون المعنى أنه لا يهلك أهل القرى بسبب الشرك الذي هو أعظم مناوأة للوحدانية إذا كانوا مصلحين في معاملتهم أنفسهم، وغيرهم، ويجرون الحقوق لأهلها، ويتحاشون مضرة أنفسهم ومضرة الناس، والواو في صدر الجملة للحال.
واعلم أن المراد بالإهلاك على الوجهين عذاب الاستئصال في الدنيا، أما عذاب الآخرة فلا مناص منه، ومن هنا قال بعض الفقهاء إن حقوق اللّه مبنيّة على المسامحة إذ قد يشملها عفوه الضافي وكرمه الوافي، وحقوق العباد مبنية على المشاححة أي التضييق والتشديد.
وعليه جاء المثل :
الملك يبقى مع الكفر والمعاصي، ولا يبقى مع الظلم والجور.
وهذان أي قول الفقهاء والمثل مأخوذان مما رواه الطبراني وابن مردويه وأبو الشيخ والديلمي عن جرير قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأل عن تفسير هذه الآية (وَما كانَ رَبُّكَ) إلخ، فقال : وأهلها ينصف بعضهم بعضا.
وأخرج هذا الحديث ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق عن جرير موقوفا، ولم أقف على صحته.


الصفحة التالية
Icon